الاثنين، 27 فبراير 2012

وعبثت بقفل الصندوق جزء 5

مضي ما يقرب من عام ..علي الفراق ..
لم تتذوق خلال هذا العام طعما للامان ..والطمأنينة ..كانت قد انعدمت الثقة داخلها ..بالناس..
لم يُر بعينيها ..الا تلك النظرة ..الشاردة ..نظرة لا تعرف للطمأنينة والاستقرار مكانا ..
كانت ترمق الناس بنظرات بغض وشك ..فهي لا تظن بهم إلا السوء ..كانت ترى الدنيا غابة من الوحوش ..
كلُ يخدع الآخر من أجل المصلحة الشخصية..حتي لو كان دمار القلوب..هو ثمن ذلك الخداع ..
كانت تسخر من كل شخص ..حاول التعبير لها عن حبه ..حتى وان استشعرت الصدق في البعض..ولكنها قدآثرت العزلة ..
العزلة القلبية ..عن الحب ..
كانت مثل الآلة ..تذهب في الصباح إلي الكلية ..تستذكر في المساء ..وتذهب للنوم باكرا ..وحتى لا اكون كاذبة
كانت لا تذهب للنوم ..بل إلى عالمها الآخر ..عالم مليء بالاختلافات والتناقضات ..تارة تحزن علي ما مر بها ..وتارة اخرى ..تبتسم علي ذكريات حبها الجميلة ..
لم تكن ذكريات قد حدثت فعلا ..بل هي امال كانت قد رسمتها يوما علي رمال البحار ..آمال ..وأحلام..أحلام ببيتهم الصغير الذي سيأويهم
..حلم ..ذلك الطفل الذي أطلقت عليه اسمه قبل مجيئه إلي هذه الدنيا ..آمال وأحلام ..لم يكلف نفسه يوما ..أن يشاركها بناءها ..
كانت اقسي أيام تلك التي مرت بها ..فهي قد اختارت الفراق بارادتها ..تعلم أنه القرار الاصعب ..ولكن هو القرار الاصوب ..

لعل من أصعب المواقف التي مرت بها ..عندما استيقظت فوجدت يديها علي اذنيها ..كان قد شاركها حلمها تلك الليلة.
.بكت بشدة
عندما وجدت حتي حواسها تشتاق إليه ..

كان العام الجامعي الاول قد مضي ..مضي ليضع قدميها ..علي الدرب الاصعب في حياتها ..

كانت قد ذهبت للجامعة الامريكية ..لتلقي دروس ..في
icdl

خطت الخطوة الاولي..لقدرها ..بقدميها ..

التقته ..بدرس بنفس الدورة ..
كان شابا من ذلك البلد البعيد الذي عاشت فيه .. انهي دراسة الهندسة بالجامعة الامريكية ..وكانت هذه الدورة هي كل ما تبقي له..لينهي حياته في مصر ..ويعود الى وطنه ..
كان حنطي اللون ..يميل الي السمرة ..ذا شعر كثيف ..مصفف ..صاحب عينين سوداوين ..عربية النظرة ..رياضي البنيان ..يميل الي الطول ..

تتذكر اول مرة أتي ليحادثها ..كانت تلملم أوراقها ..استعداداً للعودة إلى المنزل
-انتي فهمتي اللي جالوا ..الدكتور ..؟
-(دون اكتراث):يعني ..بس مش اوي ..
-لو تبغي شي انا ممكن اساعدك ..
-ميرسي ..لو احتجت شيء هقولك ..
وهمت بالمغادرة ..
جذب يدها في رفق ..
-نور..
نظرت اليه ..بحدة ..فترك يدها ..
-(باستحياء):اسف ما بجصد ..
- (بحدة) خلاص مافيش حاجة ..
- (بتوسل) انتي هتمشي داحين ..
-ايوه هو في حاجة ..
-لا مفيش ..بس ..مش تعرفي اسمي عشان لو بغيتي شي ..
طأطأت رأسها خجلا..
-(بابتسامة صغيرة):انا اسمي ياسر ..ياسر المليفي ..
-ماشي يا ياسر ..
-معلش قبل ما تمشي..هو انتي ايش بتدرسي؟ ..
-انا في هندسة ..بس بالقاهرة ..
-ماشي .انشالله موفقة ..
تركته ..ومضت في طريقها ..تتذكر عندما استدارت ..للخلف لتراه ..ووجدته ينظر إليها ..
لا تعلم لماذا تذكرت حبيبها الاول ..تذكرت عندما استدارت ..ووجدته قد مضي ..
لا تعلم لما جال بخاطرها..أن شيئا ما ..سيكون يوما ..بينها وبين ذلك الشاب العربي ..

كان يحاول التقرب إليها بين الحين والاخر ..كانت تستشعر في عينيه الطمأنينة والدفء ..والحنين ..الحنين الي ذلك الوطن الآخر الذي فارقته منذ عام ..كانت تشعر ان اكبر خطأ ارتكبه والداها.. أن عادا بهم الي مصر ..لاتعلم لما لم تكن تستشعر في تلك البلدة وطنها ..ألأنها كانت تمثل لها ..مصدر الصدمات في عمرها ..لاتعلم ..
كانت تري ذلك الوطن..وطن تخلى عن أبنائه ...اطاح بهم الي الظلمات..الي الغربة ..إلي العمل والكفاح بأوطان ليست بأوطانهم..
لكن تلك الاوطان الأخرى هي التي منحتهم المال والطمأنينة والسكون..حتي وإن سرقت منهم أجمل ليالي اعمارهم ..

مضت المدة المخصصة للدورة الدراسية ..كان العام الجامعي الثاني ..قد اتي ..
تذكر ذلك اليوم جيدا ..كان آخر يوم بالدورة الدراسية .. عندما تقدم اليها ياسر ..وطلب منها ان يجلسا ..بكافيتريا الجامعة ..

-نور ..ممكن اجلس معاكي شوي ..ابغي احكيلك شَي ..
-لا مينفعش انا اسفة ..
-(بحزم):لا ينفع ..
ثم اخفض من نبرة صوته ..واكمل بتوسل.
-النهاردة اخر يوم ..وكمان اخر يوم اللي بمصر ..بعد إذنك ..يانور ..

لا تعلم لما استجابت لتوسلاته ..جلسا معا ..وبدأ بالكلام
-نور ..صدجيني بالكلام اللي هاخبرك اياه ..انا عايش بمصر اللي اكتر من 5 اعوام ..
واتعرفت علي بنات كتير ..الطيبين والوحشين ..بس عمر ما فكرت اني ارتبط بحدا فيهم ..أو بالاصح عمري ما فكرت ارتبط ..
بحدا غير بنات بلدي ..
.(واخذ يتمالك اعصابه شيئا فشيئا ..كان يقطنه شعور غريب ..متناقض ..الشعور بالخوف ..والرهبة من البوح ..لها .. وشعور بالراحة ..والطمأنينه ..لانه سيريح قلبه مما يخبيء ..وسيعلم ما بداخلها هي الاخري)
وأكمل في حماس..
-لكن انتي شَي ..تاني ..ما بعرف ليش اتغير كل شيء فيني لما شوفتك ..تصدجيني لو قلتلك اني حسيت شي فيني اتغير من اول يوم
شوفتك بيه ..
حسيت انك مو متل أي واحدة بهالعالم ..حسيت انك بتجمعي ..بين أخلاق وعادات بلادي ..وخفة ومرح المصريين ..
حسيت انك بتجمعي الشيئين اللي بتمناهم ..

(احمرت وجنتاها )..وقالت له بصوت منخفض ..يكاد ألا يسمع ..
-واية اخرة كل ده؟ ..
-(بحماس واصرار):اكيد اخرته شرع ربنا سبحانه وتعالي ..أنا ما ابغي شي منك غير كل خير والله ..
اللي انتي تبغيه أنا اسويهولك..لو تبغيني اجي واتكلم مع ابوكي داحين..اجي ..
سكت برهة ..ثم
(همس لها برفق ..وحنان)
-نور صدجيني ..انا بحبك ..والله بحبك ..وعمري ما حبيت حدا غيرك ..ومستعد اسويلك اي شي تبغيه ..

(مرت امام عينيها صورة حبيبها الاول ..وهو يخبرها بنفس هذه الكلمات ...ويعاهدها بتلك الوعود ايضا )
تجمعت الدموع بعينيها ..وقالت بصوت محتقن ..
-وانا عاوزة امشي ..
-ما خبرتيني ..شو هتسوي ..
اشتعل الغضب بداخلها ..عندما استعادت ذكرياتها الاولى ..احمرت وجنتاها ..
واجابته بحدة ..
-عاوزنا نحب بعض ..زي ما كل الناس بتعمل ..ونكدب علي بعض ..ونخدع بعض ..وتقولي بحبك ..ووحشتيني ..وبعد شوية تخوني ..
(واكملت في نبرة منخفضة)مش هي دي الحياة هنا..ومش هو ده الحب هنا !..

(حاولت استعادة توازنها ..واكملت بهدوء):انا مش هعيش الدنيا دي ..مش هحب طول ما الحب كده ..
هعيش لنفسي انا بس ..
-بس الحياة مش كلها كده ..ولا كل الناس بتخون ..نور ..انا عمري ما طلبت منك شي
بس ممكن اطلب منك شي واحد تنفذيه ..شي واحد بس
-اتفضل ..
-ممكن تصجيني بالوعد اللي هخبرك اياه ..(همس برفق وتوسل):ممكن
نظرت في عينه فوجدت بهما صدقا ..لم تستشعره ولم تره يوما بعيني حبيبها الاول ..اخذت تنظر وتنظر في عينيه ..
ومر بذهنها سؤال ..لماذا لايكون هذا الشخص ..هو هدية الله لها ..للخلاص من هذا الوطن ..والبعد عنه..والعودة الي البلد الذي اعتادته ..والذي تشعر كأنه جزء داخلي لايمكن اي ينزع منها ..
(اجابته بحماس ):وانا هصدقك ..
-وانا بوعدك اني اخليكي ملكة ..اميرة مدللة ..عمري ما هزعلك ولا هعمل شي يضايجك..بس هعيش عشان اسعدك

اخترق صدق العهد ..قلبها ..واستوطنت الفكرة ذهنها ..فكرة ..الخلاص من هذا الوطن ..

مرت ثلاثة اسابيع ..كان قد غادر الى بلده ..علي وعد ..بالعودة بعد شهرين ..لخطبتها ..
كانت تحادثه بين الحين والآخر ..كان لا يخلد الي النوم الا بعد سماع صوتها ..
كان يحادثها كل يوم ..عن ايام ولهه بها ..عندما كان يعشقها ويراقبها في صمت ..كان يحدثها عن جمالها ..
يخبرها أنه وإن عشقها يوما لأجل أخلاقها ..وشخصيتها ..فهو عشقها ..أولا وأخيرا لأجل جمالها ..
كانت لا تسمع منه إلا كل ما تشتهي وتطيب لها نفسها ..كان يشعرها أنها اميرة مدللة..كان لا يخدعها وهو يخبرها بذلك
بل كانت نفسه تؤمن بحق ..أنها ملكة ..لا تشاركها عرشها ..أي امرأة علي وجه الارض

وهي إن نسيت اي حدث مضي بعمرها ..فهي لا يمكنها ان تنسى هذا اليوم ..
كانت الساعة تقترب من الثانية والنصف ..استيقظت من نومها علي اهتزاز هاتفها المحمول ..اجابته بصوت يغلبه النعاس
- هي الساعة كام..؟
- معلش يا كوكو فيقتك من نومك
- لا لا مفيش حاجة..أنا اللي اصلا نايمة بدري ..عشان عندي سكشن الصبح ..
-خلاص روحي كملي نومك
- لاخلاص انا فوقت مش هنام تاني..
-بلا يلا روحي نامي ..
- صدقني مش هنام
- (باصرار):روحي نامي يلا ..
- (وقد أفاقت تماما) هو في ايه! ..مُصر انام ليه ..في حد رايحله ولا ايه ..
- إي ..لازم انام بدري ..ورايا مزة مرة حلوة..لازم اروحلها بكير ..
يلا سلام بقي ..

واغلق الهاتف في وجهها ..
اخذت تدق الهاتف مرة تلو الاخرى ..لكن لا تسمع الا ذلك الصوت الذي تبغضه (هذا الهاتف مغلق او غير متاح)

ازداد الغضب داخلها ..كانت في حيرة من أمرها ..أهو نفس المصير الاسود ..ينتظرها؟ ..المصير الذي واجهته في الماضي ..ام انه فقط يمازحها
كان حبيبها يغلق الهاتف كذلك..في الماضي ..ولكن ليس مزحا..بل كان يمضي الي ما تشتهيه نفسه ..وتطيبه ...كان يغلقه حتي لا تقوم بازعاجه فتعكر
عليه صفو ما يفعل ..

قضت ليلتها تفكر وتفكر ..ارتدت ملابسها ..ومضت الي كليتها ..في حزن ..
لا تنكر انها استشعرت الغيرة تتسلل الي قلبها ..لكنها ذعرت وانتفضت ..عندما احست ذلك الضعف يقترب منها ..ليسيطر عليها ثانية ..
ذلك الحب ..الذي يصاحبه ..لوعة الاشتياق ..وآلام الفراق ..التي لم تبرأ منها بعد

كانت تسير شاردة الذهن ..حتي انتبهت علي يد تجتذبها برفق للخلف ..
توقفت للحظات عن الكلام..لاتصدق ما تري ..أهو حقا ..
ياسر:ما كذبت لما خبرتك ..اني رايح لمزة مرة حلوة ..الصباح..
تبسم لها ..واخذ ينظر في عينيها ..
اكمل حديثه ..برقة :وحشتيني يا نور ..اشتجتلك كتير .
ايه مش بتقولي حاجة ليه ..
اجابته بصوت منخفض يصحبه خجل :اقول ايه ..
هو(بتوسل):قولي ..وحشتني يا حبيبي ..نفسي اسمعها منك أوي ..

مر امام عينيها حبيبها الاول ..واول مرة اخبرته ..بحبها ..طأطأت رأسها بحزن..ولم تستطع الاجابة عليه..حقا لا يقدر قلبها ان يتفوه بهذا الكلام
ثانيةً ..

ذهبت الابتسامة شيئا فشيئا عن عيني ياسر ..
وسألها بحزن:ما اشتجتيلي ..ما هيك ..
هزت برأسها نفيا ..
واجابته في خجل:لا والله..بس ..
ولم تستطع استكمال حديثها

حل الصمت لحظات ..
ثم عاود ياسر رسم البسمة علي شفتيه ..
- خلاص يا حبيبيتي ..انا ما ابغى شي ..يعكر اليوم ..
يلا اميرتي الصغيرة ..وين تبغي تفطر ..
طأطأت رأسها في خجل .واجابته:معلش يا ياسر مش هينفع..لان عندي سكشن ..مهم ..مينفعش اغيب عنه ..
-(بابتسامته المعتاده):خلاص يا قلبي ..هضلي ناطرك..حتي تخلصي ..
تبسمت له ..ومضت ..

انتهت من درسها ..اخذت تبحث بعينيها ..عنه ..في ارجاء الكلية ..لم تجده..
دقت هاتفه ..
- انت فين يا ياسر؟ ..
- انا دجيجة وهبقي امام البوابة الرئيسية ..يلا اطلعي ..

مضت باتجاه البوابة ..
وجدته ..وبصحبته باقة من الورد ..
قدمها لها ..وعلي وجهه ابتسامة حب .ووله..

- حبيت اعتذرلك عن الايام اللي غبت عنك فيها بالسعودية..
تناولت الباقة ..
وقالت له (بابتسامة يصاحبها خجل):ميرسي ..
سكت لبرهة ..ثم سألها ..:ها قطتي الصغيرة هتفطر فين ..؟
- اي مكان ..
- انتي اتمني واللي تبغيه انا بحججهولك..اتمني اي شي ..اي شي..
سكتت لبرهة ..
ثم اجابته (بدلال):باريس ..ينفع
تبسم ضاحكا ..واجابها:طبعا ينفع ..داحين..بس المهم ابوكي مش يبلغ عني ..اني خطفتك ..
تبسمت له ..
اكمل كلامه بعزم:والله لهفطرك في باريس ..وعد مني ..


اصطحبها الي إحدى السفن الفارهة..التي تطفو علي ضفاف النيل ..
اخذت ترمق بعينيها ..السماء ..والمياه ..لمحت بعينيها ذلك الجسر ..تذكره جيدا ..عندما اخذت تنتظر حبيبها القديم ..ولم يأت ..
لاحظ ياسر الشرود في عينيها ..
دنا منها ..همس لها برفق :في شي ..؟
التفتت اليه ..وأجابته(بابتسامة حزينة):لا مفيش ..

- ها قطتي الصغيرة تفطر ايه؟ ..
- مش عاوزة حاجة ..
- ايش هو اللي ما تبغي شي..الاكل معي بالغصب..
- :خلاص عصير برتقان..
- ايه اللي برتجال ..انتي مريضة ..
اطلبي شي منيح هيك ..وش رايك تفطري متلي
- هتفطر ايه؟
- كرواسون شوكولاتهة ..ولاتيه..بيسووه طيب كتير
- ايه كل ده ..لا طبعا ..انت عاوزني اتخن!
- وايش اللي فيها ..انا ما بحبك هيك وانت ضعيفة ..اسمني شوي ..بتصيري متل الهرة لصغيرة ..

تبسمت ..وتوقفت عن الكلام لحظات ..
ثم سألته:عملت ايه مع باباك ومامتك ..قلتلهم ..؟؟
- آه جلتلهم ..بس جلت لابوي الاول
هي(بلهفة):قلتله ايه ..وقالك ايه..قول كل حاجة
- (ضاحكا):علي رسلك ..علي رسلك..
- يلا قول بقي
اعتدل في جلسته ..واخذ يحدثها ..بحركات تمثيلية ..
- انا جولتله..يا ابوي في قطة صغيرة ..بحبها ..عيونها يا ابوي ..يا الله من عيونها ..فيهم الكون هدا كله ..
وفيها صغير صغير هالقد..ولا شعرها يا ابوي ..قام قالي ..وش لون شعرها يا ولد ..قلتله ما بعرف

دنا منها برفق ..واكمل قائلا:ايش لون شعرك لاخبر ابوي ..
-(بدلال):قوله متعرفش
- انتي تبغي اجوله متعرفش..يجوم يقولي مين البنت الهبلة هادي اللي ما بتعرف لون شعرها ..وما يوافج نتزوج ..

ابتسمت ..
حل الصمت لحظات ..ثم دنا منها برفق ..وقال:نور ..معجول اني بيوم هصحي الاجي هالوجه جانبي ..عارفة اوجات بحس اني بحلم ..
معقول العيون هادي هفيق عليها كل صباح..والصوت هادا هنام عليه ..لما يحكيلي حدوته..
نور انا بحبك مرة ..بشتاجلك بكل لحظة ما بتكوني فيها معي ..
نفسي نتجوز مرة..لتصيري ملكي ..كل شي فيكي ملكي ..حتي شعرك اللي ما بعرف وش لونه هادا ..بيصير ملكي .انا.

عاد الصمت للحظات ..تبادلا الابتسامات ..
ثم عاود الكلام من جديد:ها عملتي انتي ايه معاهم في البيت قلتلهم ....؟؟!!

ذهبت الابتسامة عن وجهها ..ونظرت إليه بخجل يصحبه حزن..
واجابته:مش موافقين ..

حل الصمت لحظات ..ثم حاول رسم الابتسامة علي وجهه ليبث بداخلها الطمأنينة .
-طيب ليش زعلانة يا حبيبتي ..راح ضل وراهم حتي يجتنعوا ..حتي تصير الملكة علي عرشها ..
صدجيني يا نور ..انا ماراح اتركك ابدا..ما في راجل بهالكون راح ياخدك مني ..فهمتي علي ..
لو راح ضل وراهم حتي اموت ..راح ضل ..

تبسمت ..واخذ تنظر في عينيه ..كانتا مصدر راحتها وأمنها ..رأت بهما العزيمة والإصرار ..والتمسك بها ..رأت الرفق والحنان عليها ..
رأت الغيرة ..رأت الخوف الشديد عليها ..رأت ما لم تره من قبل ..شتان بين هذا الرجل وذاك ..
اخذت تتذكرر حبيبها الاول..عندما كان يتعمد بث الخوف والحزن..الي قلبها الصغير ..عندما كان لايكترث ولايبالي الذهاب الي عمله ..
عندما كان يحمل قلبها الصغير ..عناء التفكير..في كيفية تدبير الأموال..لإتمام هذة الزيجة ..
آه ثم آه ..علي تلك الايام التي قضتها يوما ما معه ..وآه ثم آه علي هذا الرجل ..بل لم يكن يوما رجلا ..

دنت من ياسر برفق ..وهمست له ..:انا بحبك..بحبك أوي ..

تمت الخطبة بعد شهر ..تمت بعد عناء ومشاجرات مع أهلها ..إلى أن أقنعتهم ..أو بالأحري عندما لمسا بهذا الشاب .الصلاح والحب الذي يقطن قلبه ..
كانت العائلة بأكملها ترحب بهذه الخطبة..إلا والدتها ..كانت تستشعر مدى الخطر ..الذي يصاحب تلك الزيجة ..خطر اختلاف ثقافات البلدتين ..

لم تكترث لأحد ..وأصرت علي إتمام الخطبة ..
مضي أكثر من 4 أشهر علي الخطبة ..كان يأتي بسيارته الفارهة ..ليصطحبها للتنزه ..كانت حقا تري ما لم تره يوما بعمرها ..
كانت رفيقاتها ..يحملن لها الحسد والحقد ..نتيجة هذه الخطبة ..وازداد ذلك الحقد ..عندما اجتمعن بهما يوما ..
رأين كيف يدللها ..كيف أن عينيه ترقبها متي تحركت ..يمينا ويسارا..لايكترث لأحد سواها ..بلا لايري بالمجلس أحدا سواها ..
سمعن..كلمات الغزل الذي يسمعها اياها ..

كانت آلام الماضي بدأت تتداوى شيئا فشيئا..تتداوي أكثر وأكثر ..عندما تري هذة النظرات بعيون صديقاتها ..
كانت تتذكر كيف كان يُشمِّت بها حبيبها السابق ..اولئك الفتيات ..

انتهي العام الجامعي الثاني ..كانا قد اتفقا علي موعد الزفاف بعد شهر ..واتفقا علي الانتقال الي بلدته..ونقل اوراق جامعتها الي الجامعة هناك ..
كانت حزينة كثيرا..لانها ستفارق أمها ..وعائلتها ..ولكنه كان يبث الطمأنينة داخلها..ويعاهدها..بأنه سيأتي بها متى أرادت ..لترى أمها
..

كان ببلدته ينهي ما بقي من تجهيزات المنزل..
دقت عليه هاتفه ..واستأذنته أن تمضي هي وابنة خالتها لشراء بعض لوازم العروس التي تنقصها ..ووافق بعد توسلات منها ..
فهوا لا يرضى أن تذهب دونه الي اي مكان ..

انتهت هي وابنة خالتها من شراء ما ينقصها ..
وبينما هما عائدتان...صادفتا حبيبها ..الاول ..
استوقفهما رغما عنهما ..
وجه إليها سؤالا بسخرية: مبروك يا عروسة ..بعتي نفسك ..للي يدفع أكتر ..بعتي نفسك بكام!!؟؟
وقع السؤال عليها كالصاعقة ..
نهرته ابنة خالتها بشدة وقالت في حدة:انت بني ادم قليل الادب ..وزبالة
اشارت إليها بالتوقف عن الكلام ..ونظرت اليه ..نظرة احتقار ..وقالت في تحد:علي الأقل هو اشتراني ..ما باعنيش واستبدلني بالارخص ..

وتركته ومضت ..

عادت الي منزلها ..اختلت بقلبها ..داخل غرفتها ..أخذت تبكي وتبكي
لم تظن يوما ..أن هذا الرجل ..سيء الخلق إلي هذا الحد ..
قطع خلوتها ..صوت هاتفها المحمول ..
كفكفت دموعها ..وحاولت استعادة صلابتها ..
أجابته :ايوه يا ياسر ..
- (بغضب):إيش فيه يا نور ..ما خبرتك أول ما تعودي تدجي علي ..
أجابته ..بصوت محتقن:خلاص يا ياسر ..نسيت ..مش كل شوية ..زعيق ..وغيرة بقي ..
- (بغضب ..يصاحبه نبرة عالية بعض الشيء ):انتي بتصرخي علي ..نور ..انا صحيح بحبك ..بس انا رجال ما بحب مرتي تخرج لحالها ..انا وافجتك بس عشان متزعليش ..لكن ما تتكرر ثاني ..فهمتي علي ..ولا تصرخي علي ..
حل الصمت للحظات ..
ثم قالت له بصوت يصحبه الخجل:أنا اسفة ..والله ما قصدي .متزعلش ..
هو:خلاص ما في شي ..
سكت برهة ..ثم عاود التحدث ثانية: نور انتي في شي مزعلك ..
سكتت لبرهة ..ثم اجابته :لا ..لا مافيش حاجة ..
بس زعلانة عشان هسيب ماما ..
هو(محاولا التخفيف عنها):ومش فرحانة مشان هتصيري بحضن حبيبك ..ولا انتي ما تبغي تكوني معي ..
ابتسمت ..
ثم اجابته:اكيد طبعا نفسي ..
- ها قوليلي ايش اشتريتي اليوم ..
- حاجات كده ..
- يعني ايش هي الحاجات كده
- (بخجل):حاجات كده يعني ..
- (متعمدا اثارة خجلها):ايوه يعني ايش هي الحاجات اللي يعني كده ..
- :خلاص بقي يا ياسر ..
اخذ يضحك للحظات ..
ثم قال لها بحنان:لساتك بتخجلي مني ..
تبسمت ..واجابته في خجل:اكيد ..

كان دائما ما يخفف عنها ..ويداوي ما بها من جروح ..لم تذكر يوما ..أنه آلمها أو أهانها ..
كانت إذا ضاقت بها هذه الدنيا ..تهرول مسرعة إلى هاتفها ..لتحدثه ..كان حقا الرجل الذي تمنت..
كانت تحزن من قلبها حينا بعد حين ..عندما تقسو عليه ..كانت تشعر بالحزن والخجل من نفسها ..لأنها لا تعامله كما كانت تعامل ذلك الذي كان..
كان شئ ما قد كسر ..ويأبي أن يعود ثانيةً..
كانت لم تكن قد احبته ذلك الحب الافلاطوني ..الذي احبته سابقا ..لكنها أحبت ..ولهه بها ..وعشقه لها ..
أحبت طيبته ..ورجولته ..أحبت رفقه بها ..وقسوته عليها ..عند الغيرة ..كانت تشعر أنه رجل بحق ..

مر الشهر سريعا ..وأتي يوم زفافها ..كان زفافا اسطوريا..كانت تشعر كأنها ملكة بحق ..
مازالت تذكر ..نظرات المدعوين ..المليئة بعضها بالانبهار والفرحة .والبعض الاخر بالحسد ..والغبطة ..
دمعت عيناها الأن ..عندما تذكرت ..ليلة عرسها ..
كان قد اصطحبها الي فندق ..فاخر ..
تَذكُر عندما دنا منها ..وهمس لها .برفق:أخيرا صرتي ملكي ..
لمح بعينها الرهبة والخوف ..اقترب منها ..وضمها بين ذراعيه ..بحنان ..
وهمس لها:آه يانور ..اشتجت للحضن هادا من زمااان ..من أول ما شفتك ..
امسك برأسها بين كفيه ..ونظر بعينيها ..وقال بحنان :بحبك اوي ..

ثم سكتت شهرزاد عن الكلام المباح ..

يوميات امرأة بين الأقواس

كان صباحا عاديا باردا ككل صباحاتي هذه الأيام... تفطري؟.. أفيق على صوت أمي.. أهز رأسي باستسلام.. لم أغفل يوما وجبة الإفطار حتى وأنا في أسوأ أيامي..
أخرج إلى الشرفة، أتأمل الشارع الواسع العامر بالسيارات ليل نهار، وأحدق في الناس الواقفين ينتظرون المواصلات أمام باب منزلي.. يتعالى صوت كمسري سيارة السيرفيس، وهو ينادي برتابة "دقي..تحرير.. دقي.. تحرير"...أتنهد.. تقاطعني أمي: ألم تقولي أنك ستخرجين اليوم؟
أحدق فيها بعينين خاويتين.. لا أريد حقا الخروج.. كان مشوارا مؤجلا منذ عدة أسابيع، لكن آن أوانه، كنت بحاجة إلى ناسخ رقمي جديد..
ارتديت ثيابي بآلية، وأمي ترمقني بقلق.. نظرت إلي متسائلة بعد توقفي عن ارتداء نصف ثيابي.. ألمح نظراتها فأجيب: لا أريد الخروج.. لكن.. هذا الناسخ لابد من شرائه..
في الشارع أقف بين الناس الذين كنت أراقبهم منذ قليل.. أشعر ببرودة غربة تسري في بدني ،فأنأى بنفسي عنهم قليلا، وآخذ في مراقبة السيارات الرائحة والغادية دون تركيز..
-مالك؟
انتفض على الصوت وأنظر أمامي.. كان ابن خالي يتأملني بدهشة
-أناديك منذ فترة ولاتردين
أرد باقتضاب
-قرفانة
-من إيه؟
أهز كتفي بلا مبالاة
-رايحة فين؟
-وسط البلد..
ألمح سيارة سيرفيس فأشير لها، وأسرع نحوها، وأنا أشير لابن خالي مودعة..
أعود للغوص في صدفتي، بعدما أسلم السائق أجرة الركوب،...الشوارع مزدحمة كعادتها.. والأزمة المرورية أكثر تفاقما كعادتها..
أصل إلى ميدان التحرير.. الميدان الأشهر.. وأبدأ في اجتيازه في طريقي إلى شارع البستان، حيث يوجد مول الكمبيوتر...
الميدان ليس ككل الأيام.. شبه خاو من الثوار.. عدا مجموعة تجمعت في الحديقة أمام شارع محمد محمود، ومجموعة الخيام المتواضعة المتراصة في الكعكة الحجرية التي تتوسط الميدان...نعم لقد انقضى عهد الخيام الفارهة الخاصة بالمشاهير وطلبة الجامعة الأمريكية ... ولم يعد بالميدان سوى خيام الفقراء من أسر الشهداء ...!
أصل إلى الشارع .. وأنعطف نحو باب المول.. أمر في طريقي بمتجر صغير يبيع الأدوات المنزلية.. لم أكن ربة منزل قط.. ولكني دخلت المتجر دون أن يكون في ذهني شئ أشتريه.. ألمح بالمتجر سيدة أجنبية عجوز.. أخالها زبونة.. فأنتظر قليلا حتى تنتهي من تجوالها بالمتجر.. لا أريد إفساد السياحة...
تبدأ في الكلام بلكنة إنجليزية عتيقة، ربما كانت أيرلندية...، يخرج صاحب المتجر من المخزن الخلفي الصغير ويلمحني فيتهلل ويقول : أوامرك ..أبتسم ولا أجيب.. ألمح في يده صينية عليها براد شاي يتصاعد منه البخار، وكوبين فارغين، ويبدأ في صب الشاي في الكوب..
يرفع عينيه مبتسما ويدعوني لمشاركته، فأبتسم باعتذار ، وأدعي الانشغال في تأمل المعروضات.
يسأل السيدة التي جلبت كرسيين ومنضدة صغيرة ووضعتهما إلى جواري.. milk؟
اتنبه فجأة إلى أن السيدة ليست زبونة عادية..
ترد السيدة بلكنتها ولكني لا أفهم ماقالته.. يبدأ هو في صب اللبن ووضع السكر، وقد فهم ماتقول..!
يرن هاتفي بنغمة حبيبي المميزة، فأندهش، فهو لم يتصل بي منذ أسبوعين كاملين!
أرد على الهاتف، وأنا أسحب بآلية سكينا من المعدن غير قابل للصدأ وأقدمه لصاحب المتجر..
- تصدق إن النغمة اللي عملاهالك ماعادتش لايقة عليك!
يرد بصوت منخفض يشوبه الخجل : والله لو تعرفي أنا في إيه..
أدفع ثمن السكين للعجوز، وآخذ سكيني، وأكمل مكالمتي، وأنا أخرج من المتجر...
أخذ يتحجج بما لايستطيع قوله على الهاتف... و... و...
لم أسمع حقا مايقول ..كنت مشغولة بما قلته أنا.. لعله الآن يحسب أن النغمة المخصصة له هي نغمة حب.. لا إنها نغمة أمان، وانا لم أعد حقا أشعر بالأمان..
تنتهي المكالمة وأنا أفكر في السكين الكبير غير المشحوذ الذي اشتريته دون أن أعرف لماذا اشتريته هو بالذات.. وأضحك (بالتأكيد لدى فرويد تفسيرات كثيرة لهذا الفعل!).
أدخل المول.. وأتخير متجرا صغيرا دون تركيز، وأسأله عن الناسخ، فيخرجه لي وقد زاد سعره عما اشتريته من قبل بثلاثين جنيها، لكني لم تكن لدي أي رغبة في الحديث والفصال، يسألني عن اسمى، ويخطئ كعادة كل الناس في كتابته.. لا أصحح له خطأه كعادتي مع أمثاله.. أخرج إلى الشارع مرة أخرى أحمل ناسخي الجديد وسكيني الطويل...
أسير في الطريق.. أشعر بكل التفاصيل المحيطة وهي تلفظني.. فأنا خارج كل التفاصيل..
يمر بي ثنائي إفريقي ..أتأمل بحسد ذراع الشاب التي تحيط بكتفي الفتاة السمراء.. أنفض حسدي فورا.. من قال أن المظاهر هي الوجه الحقيقي للأمور.. يمر بي شاب يتأملني باشتهاء من قمة رأسي إلى أخمص قدمي.. أبتسم خلف قناعي.. وتنتابني نفس الرغبة المعهودة في مثل هذه اللحظات.. أن أناديه وأطلب منه التوقيع على ورقة تقول أنني جميلة ومرغوبة.. أتنهد...
يخرج رجل من إحدى شركات السياحة، ويتأملني في محاولة منه لاكتشاف إذا ماكنت زبونة محتملة أم لا؟.. يلمح ملامحي الكئيبة.. فيفهم أنني من المقيمين لا الراحلين، فينصرف عني، إلى مجموعة من الرجال الريفيين..
-بني غازي؟
ألمح فتاة تقف أمام فاترينة عرض أحد متاجر التحف المقلدة، أعرف هذه الوقفة جيدا..إنها تنتظر حبيبا تأخر عن موعده.. وتدعي أنها تبحث عن هدية تشتريها.. آه أيتها الفتاة لقد طغت الأشياء المقلدة على الأصلية في هذا العالم.. كم وددت لو قلت لك امضي في طريقك ولا تنظري خلفك.. فمن أخلف موعده مرة، لايستحق أن تنتظريه بالمرة...
يخرج أحد العاملين بمتجر الهدايا، ويحاول إغراءها بالدخول إلى المتجر...
-عندنا حاجات تحفة جوه.. كل شعارات الثورة ويسقط حكم العسكر عندنا جوه..اتفضلي.. اتفضلي..
تتلفت حولها بخجل، وتدخل المتجر مرغمة.. تلتقي عيوننا لثانية.. وأنا أتجاوز باب المتجر في طريقي.. اهز رأسي نفيا بلا تفكير.. فتتأملني الفتاة بدهشة!
أمضي في طريقي إلى ميدان عبد المنعم رياض.. ألمح المتحف المصري، وتنتابني حالة من الحنين إلى ساكنيه، فما أشبههم بي.. توقف بهم الزمن عند لحظة التحنيط، وأنا أيضا توقف بي الزمن يوم وضعني الناس بين الأقواس...
كم تمنيت لو هدمت مرة أحد هذين القوسين اللذين يؤطراني... وجربت الحياة خارج تلك الأقواس..!
 يقولون أن الحياة خارج الأقواس.. يرضاها الرب وفيها الراحة للعبد.. يقولون أن من يحيا خارج الأقواس.. يذوب في الكل ولايغدو وحيدا...يقولون ويقولون ويقولون...
لا أدري لماذا تذكرت الرجل العجوز صاحب متجر الأدوات المنزلية والأجنبية العجوز ، وأتساءل هل يعيش هذان الاثنان خارج الأقواس؟
أفيق إلى نفسي، وقد اقتربت من الميدان...أعيد حبك القوس حولي.. لم أتعود الحياة دونه.. ولكن من يدري.. ربما جرؤت يوما.....!

السبت، 25 فبراير 2012

وعبثت بقفل الصندوق..جزء4

بدأ الدمع يترقرق في عينيها الآن..لا تعرف لماذا كان هذا الموقف هو الأبغض إليها ..إلى هذا النحو ..تتذكر هذه الفتاه جيدا ..كانت سمينة بعض الشيء ..ملفتة ..ولكن ليست أجمل منها ..حينها فقط .لم تجرح الحبيبة التي تسكنها بل جرحت المرأة ...الانثي التي تخبئها داخلها ..اخذت تتساءل ..هل هذا ما ينال إعجابه؟..هل لابد للمراة ..أن تقلع عن ارتداء ثياب السترة حتي تنال اعجاب ..حبيبها؟! ..تتذكر هي ..تلك الليلة جيدا ..تتذكر عندما جلست بالشقة المهجورة التي تقع في الطابقر الثالث من العمارة التي تقطنها تتذكر صوت رفيقاتها ..وهن يطلقن الضحكات الخليعة الرنانة ..وهن يتحدثن الي رفقائهم على الهاتف ..علي الدرج تتذكر دموعها في تلك الليلة ..تتذكر كل كلمة جارحة ..أسمعها لها ..تتذكر كل نظرة ..جنسية بذيئة ..نظرها الي رفيقاتها ..ارتسم بذهنها ..صورته وهو ينظر الي تلك الفتاة ..كلما حاولت النسيان..توضع هذه الصورة امام عينيها ..كأن القدر ..يحاول جاهدا أن يظهر هذا الشخص لها جيدا ...تتذكر عندما هرولت إلي غرفتها ..وخلعت عنها شالها الذي يغطي شعرها ..تتذكر عندما اخذت تنظر الي المرآة..ورأت وجهها الجميل ..وقد احمرت وجنتاها..تتذكر بريق عينيها السوداوتين في تلك الليلة ..كأنهن عيون مياه ..جارية ..تتذكر حديثها الي نفسها في تلك الليلة ..تتذكر عندما ضمت عروستها بين ذراعيها ..طالما رات في هذه الدمية نفسها الحزينة.. كانت تشبهها كثيرا..شعرها الذهبي كسلاسل الذهب ..وعيناها السوداوتان..وبياض وجهها الذي تصحبه تلك الحمرة .. ..واخذت تدلل دميتها في حزن كأنها تريد ان تمنحها القوة والثقة ..أو كأنها تريد أن تواسيها ..كانت تخبرها .."انتِ أحلي واحدة في الدنيا ,,مش تسمعي كلامه هو وحش ..كل الناس اللي في الدنيا دول وحشين أوي..كلهم بيجرحوا أوي..كلهم مش بيهمهم حد..(واخذ صوت نشيجها يعلو شيئا فشيئا) بس أنا مش عارفة ..اكون زيهم..ولا عارفه اسيبه..نفسي اسيبه أوي ..(وازداد صوت نحيبها) ...يارب ..طلعوا من جوايا ..ثم تراجعت عن الدعوة في عجلة وقالت (أو يارب اهديهولي يارب..) كأنها خشيت ان ..تأتي لحظة..وهو غائب عنها ..رغم أنه الحاضر الغائب..وهي توقن ذلك تماما.. ونامت وقد بللت دموعها وسادتها ..اعتادت وسادتها علي تلك الدموع..او بالأحري قد ملتها ..وحبيبيها الأخر... قد مل هذه الدموع.. لم يعد يكترث لها لكنها كانت توقن أنها تستحق هذا الشعور بحق..لأنها قللت من ثمن هذه الدموع...عندما منحتها لمن لا يقدرها . .كانت تضرب يدها بعنف ..في درجها الخشبي ...كأنها تعاقب نفسها ...علي كم الذل الذي ..امتلكها ...كانت تتساءل ...لما هذا الضعف؟ ..كانت تشك حينا بعد حين ..أنها ليست هي ..ليست نور..تلك الفتاة قوية الشخصية ..التي لم تكترث يوما ..لمعجب..ولم يهتز قلبها قط...لرجل ..التي اذا سالها أحد عن الارتباط ..تجيب ..أنها تريد ملكا..يجعلها ...أميرته المدللة ..

تتذكر جيدا ..عندما تناولت هاتفها في غضب ..وطلبت رقمه ..ونهرته باكية ..انت ولا حاجة ..وزبالة وكل حاجة وحشة في الدنيا دي ..ثم أخذ صوتها يضعف شيئا فشيئا ..انت ..وحش ..وحش اوي يامحمد..

أخذ يحادثها ..بمكره وخديعته ..التي تعرفها جيدا..وطالما حاولت الهروب منها.. حتي تجبر نفسها علي الاقتناع..بأنه يعشقها

هو:والله انا قولتلك كده عشان ..اغيظك..والله والله ..والله ..ما كان قصدي حاجة
هي(بصوت عال..باك:بطل كدب بقي ..انا شفتك ..(وبدأت نبرة صوتها تهدأ في حزن).. شفت بصتك ليها كانت عاملة ازاي ..انا عاوزة اسألك سؤال واحد..
هو:ايه ياحبيبتي ..
هي:لما انا مش مكفياك..كدبت عليا ليه؟ ..علقتني بيك ليه؟ ..هو انت ليه بتعمل فيا  ..انا نفسي اموت بقي ..
هو:بس ياحبيبتي عشان خاطري..والله انتي مكفياني وحبيبتي ..وكل حاجة ..

وأخذ يواسيها ..ويدللها ..كانت تشعر أن هذا الدلال..ما هو إلا كذب مصطنع ..كم حاولت أن تصدق كل كلمة حب أسمعها لها لم تلمس روحها ..أي كلمة ..لم تكن تشعر بهذا الحب ..الا في اوقات ضعفه وفشله في الحياة..عندما تغلق كل أبواب الحياة بوجهه ..بالأحري لم تكن تشعر بحبه..بل كانت تشعر باحتياجه ..

تتذكر عندما خلا البيت من الأهل يوما ..وقامت بارتداء فساتينها العارية ..التي تبدي مفاتنها ..كانت تنظر للمرأة ..بدهشة..ومكر ..دهشة ..من إثارتها وجمالها ..اللذين لم يرهم إلى الان..وبمكر ودهاء ...تسأل نفسها ..ماذا لو رآها في هذه الثياب ..لكن سرعان ..ما كانت تغمض عينيها ..بشدة ..كأنها تريد أن تهرب من تلك الأفكار القاتلة ..التي يبثها لها عقلها ..أخذت تتعوذ من الشيطان الرجيم..لا تدري من أي الشيطانين تتعوذ ..!!

بدأت تتغير خلال أيامهما الاخيرة ,...كانت قد أيقنت أنه ..لا يحبها علي الإطلاق..لكنه يحتاج إليها بحق..لايستطيع الاستغناء عنها ..فقررت أن تعامله من هذا المنطلق..كانت قد أيقنت..او بالأحري أجبرت نفسها..علي الاقتناع..بأنها لن تقدر أن تحيا بدونه ..

كانت تحادثه ..وتترك الهاتف جانبا ..عندما يتحدث عن أي مشاعر تجاهها..كأنها قد ملت ..تلك الأكاذيب...لم تعد تقوى علي سماعها ..كانت تتساءل في حيرة كيف ستحيا مع هذا الرجل ..وهي تشعر بمثل هذه الأحاسيس معه؟...كيف وهي لاتقوي علي سماع كلمات الحب منه؟!..كانت تري نهاية زواجهما ..في طريقين منفصلين..إما أن تحيا امراة تعيسة..تتسول مشاعر الحب من زوجها ..وهو رجل .. يلهث وراء النساء ..أو أن تكون امراة خائنة ..لأنه بالتاكيد لن يشبعها نفسيا أو جسديا..وهي تعلم أنه لايحبها علي الإطلاق..بل ولا يشعر أنها الأنثي التي يتمناها ..فهو كالمجبر علي التمسك بها ..لمميزاتها الأخري..لم يكن يراها الأنثي الفاتنة ...ليس لأنها ليست جميلة ..بل هو يدرك أنها جميلة بحق ..ولكن عينيه أول..ما رأت ..رأت فتيات الليل ..بذلك الجمال الذي يصاحبه..السمار ..والشفاه ..الغليظة..والعيون التي لم تعرف البراءة طريقها إليها قط..فهي لا تحمل سوى  نظرات الإثارة الجنسية للرجل ..لم يكن جمالها ..يمتلك هذه المواصفات..فهي رغم جمالها ..إلا أن وجهها ..لا يجبرك الا علي ..الاعتراف ببرائته..كان هو لايري في هذا ما يرضي غرائزه..فهو شب علي شئ..و سيشيب عليه ايضا

مرت تلك الفترة بفتور قاس ..في علاقتهما ..إلي أن جاء يوم ..اقترحت عليها صديقتها ..أن يمازحاه..صديقتها
-ايه رأيك لو نعاكسه من موبايلي ..ونشوف هيعمل ايه ..هي
-(بحماس):ماشي أنا موافقة ..
بدأت صديقتها بمشاغلته ..واستجاب لها ..
هو:طيب ماشي يا مزة ...انتي محيراني معاكي ..بصي شوية وهاكلمك ..هخلص حاجة ...
ازداد غضبها من كلماته ..وذهبت إلي متجره لتنهره..وتواجهه ..وكانت الطامة الكبرى..قطرة المياه التي أغرقت القارب .. ....

كان ..يدير بوجهه تجاه غرفة تغيير الملابس ..داخل متجره ..سمعت صوته ..قائلا.

-أنا هاروح أجيب حاجة اشربها ريقي ناشف..تكون عدلتي هدومك..علي فكرة في مراية..في ضهر البروفة لو عاوزة تعدلي مكياجك..

استدار بوجهه تجاه الباب..ورآها..تملكه الذهول والدهشة ..أخذ يهز برأسه نافيا ..رغم أنها لم تسأله عن شيء..وكأنه ينفي التهمة عنه..شعور فطري ..نتيجة ارتكابه لما فعل ..

أما هي ..فلأول مرة لا تدري ما هو شعورها..تجمدت الدموع في عينيها ..لم تفعل شيئا..الا ان تنظرنظرت في عينيه..لاتحيد عيناها عنهما ..عضت علي شفتيها بشدة ..واحمرت وجنتاها..

اقترب منها بخطوات حذرة..في خوف ورهبة ..تمالك نفسه شيئا فشيئا..وهمس بصوت منخفض..يكاد أن لايسمع ..

هو:والله ما في حاجة ..والله..دي ..دي ..واحدة صاحبتي من زمان ..صدقيني ..هي بس ..دخلت تعدل ..
(ثم لم يقدر علي استكمال حديثه..تملكته رهبة ..وخوف غريب..من عينيها ..اللتين لاتحيدان عن عينيه ..كأنها تصرخ ..يكفي كذبا وغدرا ..)

وخرجت الفتاة من غرفة الملابس ..كانت ليست كأي فتاة رأتها من قبل..فإن كن هن يبدين زينتهن..فهي لاتخفي شيئا على الإطلاق....أي لحم هذا ..رخيص الثمن ..علي مالكته..

لا تعرف لما ارتجفت عندما رأت تلك الفتاة ..
أسرع هو في عجلة ..ورهبة ..امسك بيد الفتاة ..وقدمها نحوها ..وتحدث في توتر ..وقلق ..

هو:قوليلها يا دينا ..قوليلها انك صاحبتي من زمان ..قو.. (لم يقدر علي استكمال حديثه )..

نظرت إليه الفتاة في دهشة واستغراب

-هي مين دي اصلا ..
اجابها بصوت حزين
-دي ..دي نور ..حَبيبتي ..أو أو (وأكمل في تردد).خطيبتي ..وشريكتي في الحياة دي ..

أشارت إليه الفتاة ..لكي يغلق ما بقي من أزرار قميصه ..أغلقه في عجلة وتردد ..

همت هي بالذهاب ..اجتذب يدها في شدة ..

هو{بصوت عالي..ورهبة وخوف من أن تتركه}:انتي رايحة فين ..سايباني وراحه فين ..؟
اجتذبت يدها في عنف ..واستدارت ومضت ..

ذهبت إلي غرفتها ..تقدمت نحو سريرها ..أخذت تضع الأغطية عليها ..وهي ترتجف ..تبكي هذه الدنيا بحرقة ..تتذكر صورته ..وتلك الفتاة ..تتسلل اليها رهبة ..وخوف شديد من الدنيا..كانت كطفلة تهرب من شبح عذاب يلاحقها ..دق هاتفها ..انتفضت خوفا ..عندما رأت رقمه ..اغلقت الهاتف في عجلة..تحاول أن تجري وتجري من هذا الشبح الذي يخيفها ..وتدمع عيناها الآن ..ويمتليء قلبها بغضا أكثر وأكثر ..لهذا الشخص ..أي غدر ..جرح تلك الطفلة ..بل أي طعنة تلك التي أراقت دم هذا القلب الصغير ..آه ثم آه ..علي ندمها ..لحبها هذا الرجل ..أري الآن في عينيها ..رسالة اعتذار ومواساة ..لنفسها ..او بالأحري لذلك القلب الصغير ..الذي جرحته بالماضي ..أراها تهمس في أذن تلك الطفلة ..أنا آسفة..اعتذر منك لأني حملتك أكثر ..من قدرتك ..كم دمعت عيناها ..لأجل ذئب لا يستحق ..



مضت تلك الليلة كانت أصعب الليالي التي مرت بها ..استيقظت صباحا ..ورأت كم هائل من رسائله علي هاتفها ..اعتذار وتوسل ومناجاة ..أخذت خط الهاتف المحمول ..وضعته علي نار الموقد ..وأخذت تراقب احتراقه أمام عينيها ..كانت النار ترتسم في عينيها ..فحرقه لا يمثل لها حرق خط هاتف ..بل حرق ذكريات جارحة ..وطريق يمكنه الوصول منه إليها ..أخذت تري ..كل كلمة أسمعها إياها ..وهي تحترق ..أخذت تري كل دمعة سقطت من عينيها ..وهي تفني في تلك النار..أخذت تري ..خذلانها..وجرحها عندما ..لم يأت إلي موعد لقائهما ..اخذت تري كل كلمة حب كاذبة ..وهي تحترق ..أخذت تري ذلك الحب وهو يحترق..بل رأته ..هو نفسه ..وهو يحترق ..رأت نساءه ..وفتياته..رأت نظراته البذيئة..كل شيء..أبى إلا ان يفني في تلك النار ..

مضت أيام وراء ..أيام..كانت لا تؤثر شيئا علي جلوسها بمفردها ..كانت بالماضي تخبر نفسها أن الرحيل ..أصبح واجبا ..أما الآن فهي تري أن الرحيل قد فرض ..حاول هو استرضائها بكل الطرق عن طريق صديقاتها ..وبريدها الإلكتروني ..كانت تقرأ رسائله ..وهي تضحك ..وتسقط دمعتها..تضحك علي كم الذل الذي وصل إليه هو ..وتبكي ..علي ما آل إليه حبها ..أهذا هو الرجل الذي تعلقت عيناها به يوما في الطرقات! ..أهذا الذي بكت الليالي ..اذا لم تره يوما ..في مجلسه المعتاد! ..أهذا الذي كانت تسرق ..النظرات الخاطفة في عينيه بالماضي! ..أهذا هو الفارس الذي كان يشاركها أحلامها! ..أهذا الذي بنت القصور ..علي رمال مخيلتها ..لتحيا معه بها! ..أهذا الذي رأت طفله ..في احلامها !!..

كان قد مر أكثر ..من شهر ..علي الفراق ..حين أتت يوما صديقة لها ..تشكو إزعاجه لها من كم رسائل التوسل ..لمساعدته في صلحها ..أخبرتها أنه من الواجب ..أن تحدثه أن يكف عن ذلك ..

ترددت كثيرا ..قبل محادثته ..ولكنها كانت تعلم أنه واجب ..يجب أن يؤدى ..أمسكت الهاتف ..وطلبت الرقم ..
هي:الو..
هو:مين معايا ؟..
هي:عاوز مني ايه؟ ..
هو:عاوزك ..بحبك ومش هسيبك ..
هي:وانا مش عاوزاك..أنا معرفكش ..إنت مت ..عارف يعني إيه راجل يموت في نظر حبيبته ..
هو:انتي بتقولي كده وانتي مش فاهمة حاجة ..والله ..(وقبل ان يكمل كلامه ..قاطعته في عنف)
هي:كفاية كدب بقي ..كفاية ..عاوز مني ايه ..كفاية تدمير في نفسيتي بقي ..كفاية .(تمالكت نفسها ..واخفضت من نبرتها)عاوز مني ايه يامحمد؟
هو(بصوت رقيق ..ماكر):ترجعي لي
انتفضت ..من مجلسها ..مرت فجأة كل ذكري سيئة ..تذكرها له..كل مرة ..ذلت واهينت بها ..
أجابته..في قوة واصرار ..
هي:لا ..انا مش هارجعلك ..(واكملت حديثها ..كطفلة تخشي أن يلقي بها الي شبح العذاب ثانية ..كطفلة تحتمي ..بمصدر أمان ..حتي وان كان مصدر الامان لها ..هو ابتعاده عنها )..أنا مش هارجع اتذل تاني ..ولا اتجرح ..مش هارجعلك ابدا ..
هو(برقة واستعطاف):و عارفة تنامي ..
هي (بصوت حزين ..وضعيف):آه عارفة انام ..مابقاش في حد بيخليني أنام معيطة يامحمد ..مبقاش في حد بيهزأني كل يوم قبل ما انام ماحدش عاد بيحملني ذنب ..بهدلته ومشاكله مع الناس..ويجي يفرغ شحنته فيا ..مابقاش في حد بيذل أنوثتي وثقتي ..ويكلمني علي بنات ..ومفاتن وجمال البنات اللي بيشوفهم .معدتش بكلم اكلم..والاقي اللي بكلمه مركز في التلفزيون ومابيردش ...عارف يامحمد ايه الحاجة اللي بتبكيني بحق ..اني مش لاقية للانسان اللي حبيته ذكري واحدة تخليني اعطف عليه واسامحه..ياما كنت باتحايل عليك عشان متقساش ..ياما كنت باقولك متحولش الحب ده كره..لكن انت مكنتش بتسمعني
مسحت ..دموعها ..وتمالكت نفسها بقوة ..

هي:انا مش عاوزاك ..لو انت آخر راجل في الدنيا أنا مش عاوزاك ..
هو:طيب أنا آسف ..سامحيني..
هي(بقوة واصرار):لا ..قلتلك لا..ياريت ماعدتش تزعج حد من صحابي ..ولا تبعتلي رسايل..عشان انت مت ..بالنسبة لي ..أنا اقنعت نفسي إن الانسان اللي حبيته زمان..وكنت بسرق أي لحظة عشان اشوفه فيها من بعيد...مات للأسف قبل ما اعرفه ...سلام ..يامحمد..

أغلقت الهاتف ..وكفكفت دموعها ..ولكن بالرغم من هذه الدموع..الا أنها أدركت أن هذا الرجل مات بداخلها بحق ..لم يكن كلام تتلفظ به فقط كانت قد رأت صورة أخري لذلك الرجل ..صورة الذل والهوان...كانت تدرك بحق ..أنه لا يتذلل من أجل حبهما..بل من أجل ألايضيع هذة الفرصة الذهبية من بين يديه..المواصفات التي لن يقدر علي تعويضها ثانيةً...لكن هذه الصورة قد أبغضته إلي قلبها أكثر وأكثر ..فهي لن تتنازل يوما ..أن تحيا مع رجل حر..

الجمعة، 24 فبراير 2012

أهي أيام وتعدي...

رغم أن الكثيرين يعتبرونني كائنا مرحا، يحاول إشاعة البهجة والضحك في المكان، حتى لو تحول هو نفسه إلى مادة للضحك، فإن الحقيقة أن بداخلي حزنا مقيما أعتقد أنه ولد معي يوم استقبلني العالم بشبورة مائية هائلة، جعلت أسرتي تعاني الأمرين وهم ينقلون أمي إلى مستشفى الولادة..
كان كل شئ صعبا منذ اللحظة الأولى.. نعم..لم يكن الطريق ممهدا بالورود الحمراء التي أعشقها.. والتي لم يقدمها لي أحد قط!.. كان طريقا طويلا من الضرب والإهانة بواسطة كل ذكور الأسرة الذين تجمعوا علي لأنني ببساطة كنت الأنثى الوحيدة في العائلة..
وكبرت وأنا أزداد عنادا.. كنت أنتقي كل مايمكن أن يخالف طبيعة قامعي لكي أفعله.. بدءا من نوعية الدراسة.. ثم العمل.. وانتهاء بأسلوب الحياة ذاته.. أجبرتهم جميعا على تقبل فكرة أن أعيش وحدي في تلك المدينة.. ولكني لم أدرك وأنا أضع شروطا جديدة أنني قد حكمت على نفسي بالوحدة الأبدية!
فمجتمعنا الفاضل لايسمح للمرأة بأن يكون لها قرار أبعد من لون ثوبها (هذا إن سمحوا لها بذلك!)، وعبر كل الحريات التي نلتها بعد سنوات من العناد والإصرار، أصبحت في رأي عالم الرجال، مهرة نافرة لم تجد من يلجمها!!... أتعجبون من الجملة؟!.. انها الجملة التي قالها لي حبيبي يوما في لحظة صراحة، لقد قال لي.. لا أستطيع فهم تهاون شقيقك! لو كنت شقيقك لضربتك علقة ساخنة ومنعتك من كل ماتملكينه اليوم من حريات!!.. نعم هذا رأي حبيبي في، فمابالكم برأي أعدائي!!
لن أقول لكم أنني نادمة على رحلتي التي قاربت على الانتهاء، فهي في النهاية رحلتي أنا.. واختياراتي أنا رغم كل علاتها، ولكني حين أقف أمام مرآتي، وأحاكم ذاتي لايسعني إلا أن أقول لنفسي.."أعملّك إيه يعني!.. أنتِى من اخترتِى هذا الطريق، ولم يفرضه أحد عليكِ!"... نعم.. لم يفرض أحد علي شيئا.. وليس لدي ذلك المشجب الموجود لدى كل بنات العرب، لكي أعلق عليه ذنب ما آل إليه حالي!..
ربما كنت سابقة لعصري، وحصلت على مكاسب لم يكن العالم مستعدا لها بعد.. لكن النتيجة التي تحزنني حقا أنني لا أستطيع الشعور بالغبطة لما حققته، وفي نفس الوقت لا أستطيع التراجع حتى وإن أردت.... يلا.. أهي أيام وتعدي...

الخميس، 23 فبراير 2012

وعبثت بقفل الصندوق..حلقة3

كفت عن استكمال طعامها ..واسندت برأسها ثانية الي المقعد..كأنها طفلة  صغيرة ..تحاول ان تعود في عجلة..لاستكمال فيلما سينمائيا..يحلو لها ..
بدأت ترتسم علي وجهها معالم الحزن شيئا فشيئا ..ذهبت بمخيلتها الي ذاك اليوم ..او بالاحري تلك الليلة..
كانت اولي ايامها داخل الجامعة ..لكن الجامعة اصبحت لا تمثل لها شيئا..وكأن الجامعة كانت لها ..موضع التقاء نصفها الاخر..فعندما وجدته خارج الجامعة..اصبحت الجامعة سرابا..لايمثل لها شيئا..سوى عبء الذهاب يوميا..لاستذكار دروس وحسابات معقدة تبغضها كثيرا..فهي تكره هذه المواد..وهذه الدراسة...
وتنوي داخل قرارة نفسها ..ألاتعمل.. فهي قد رسمت علي رمال البحر ..قصرا ستحيا به مع حبيبها.. لن تعمل، ولن يشغلها غيره ..لم تكن تدري أن أكبر خطأ يمكن ان ترتكبه المرأة ان تحيا لأجل رجل!...أن تدور حول محور واحد..هو سعادته!
قضت نصف ليلتها ترتدي الثياب وتخلعها.. كانت في حيرة من أمرها ..أي الثياب سيبدي جمالها ..أي الثياب ستظهرها نحيفة اكثر ..كانت تتردد بين هذا وذاك..
هذا اللون يبدي جمال وجهها أكثر ..لكن هذا يبديها أكثر نحافة ..وهذا يبديها ممشوقة القوام اكثر ..حتى استقرت علي احداهم ..لازالت حتي اليوم تحتفظ به داخل غرفتها الكبيرة ...بعقارها ..الذي أهداها اياه زوجها ..طليقها ..لا بل غادرها ..حتي نصدق القول ...

اخذت تتذكر تلك الليلة ..وما دار بينها وبين حبيبها ..
هي:أنا زهقت نفسي اشوفك أوي ومش بقيت بعرف انزل عشان الكلية ..
هو:خلاص أنا اجيلك الكلية ..ونقعد في أي حتة ..
هي:بجد ؟..
ثم بدأ يتسلل الخوف إليها
وأكملت حديثها في رهبة
هي:بس افرض حد شافنا ؟..
هو:مش مهم ..إنتي حبيبتي.. مش مهم الناس كلها تعرف إني بحبك وإنتي بتحبيني! إنتي قريب هتكوني جزء من حياتي..أنا مش بعتبرك واحدة بحبها وخلاص ..
متخافيش بقي ..

كانت تظن في الماضي أنه يريد أن يقتل الخوف الذي يسكنها ..منذ الصغر ..لكن الآن أدركت أنه كان لايخشي عليها ..لا يبالي إذا أصابها أذي بسببه
استرخت برأسها علي وسادتها ..وأخذت تسبح وتسبح في عالمها الاخر ..ماذا سيحدث غدا؟ ..كيف ستكلمه وجها لوجه دون أن تخشي شيئا؟..حقا ستنظر في عينيه
كم احبتهم ..كم تمنت الزواج منه فقط لأجل أن تستيقظ ..فتري هاتين العينين ..يغفونها بين أحضانهما ..
ولكن فجأة استيقظت من عالمها ..وانتفضت ..لقد نسيت أن زجاجة عطرها قد كسرت ...
اخذت تفكر وتفكر ماذا ستفعل..إلى أن استقر بها التفكير..ان تطلب عطرا من الصيدلية ..كان آخر ما بقي معها من نقود..كانت قد مضت توفر في هذه النقود منذ أكثر من شهرين ..لتشتري بها اكسسورات تريدها ..كانت قد رأتها ..ولكن ثمنها كان باهظا ..فآثرت ألا تطلب ثمنها من والديها وتدبر هي النقود لشرائها...
لم تبال بأن النقود سوف تفني، ولن تقوم بشراء ما تريد ..
كل ما كان يشغلها هو مظهرها أمامه غدا ..رائحتها ..ثوبها ..كل شيء ..يجب أن يكون علي أتم وجه
استيقظت باكرا ...تناولت هاتفها ..وتحدثت اليه
هي:صحيت؟ ..
هو:منمتش اصلا ..كنت بلعب بلاي ستيشن ..
هي:طيب وهاتيجي ازاي
هو:ملكيش دعوة أنا واخد علي كده ..المهم إنتي يلا البسي ..وروحي الكلية
وأنا ساعة وهالبس واجيلك ...

اغلقت هاتفها ..وارتدت ثيابها ..وذهبت الي الكلية ..مضت المحاضرة الاولي.. ثم الثانية ..
اخذت تدق الهاتف مرة ...ثم الثانية ...ثم الثالثة ..
لايوجد رد ...هذا ما وجدت ..منه
اخذت تدق المرة تلو الأخري ..ولكن دون .جدوي
كان قد مر أكثر من ساعتين أو أكثر..فلاوجد هو..ولا رد وجد!..
استشعرت بظلام كاحل..يحاوطها من كل الجهات ...
والآن هي تغمض عينيها بشدة ..كأنها تحاول أن تهرب من تلك الصورة التي طالما لاحقتها ...
استقلت اتوبيس الجامعة ..كانت عيناها لا تتوقفان عن الدمع ..حتي اغرقت هاتفها ..كانت تنظر الي رقمه المدون ...وتبكي ..كانت قطرات دمعها تسقط علي كل رقم من رقم هاتفه..
كانت هذة هي الطعنة الاولي منه ...

فجأة ارتسمت علي شفتيها ضحكة ..حزينة ..عندما تذكرت ذلك الشاب
كان زميلا لها بالجامعة قد جلس الي جوارها ..بالأتوبيس ..
وكانت تبحث عن مناديل داخل حقيبتها ..وهي تبكي ..فاخذ يعطيها الواحد تلو الآخر ..وهي تأخذ لا إردايا ..تكاد تكون لا تشعر به جوارها ..حتي استكانت وهدأت ..
التفت اليها ..وسألها في دهشة :هو في حد يقدر يزعل القمر ده! ...

عادت الي منزلها ..كانت اختها تنتظرها علي سلم المنزل..واخذت تهمس لها في فرح..ها عملتي ايه؟..,,احكي كل حاجة حصلت ..
اخذت تنظر لها ..بدهشة وحزن..كانت قد كسرت بحق ...

دق هاتفها في نفس الليلة ..كان هو ..لم تجب
اخذ يدق ويدق ..وفي لنهاية ..ارسل لها رسالة نصها كالاتي ..
"معلش راحت عليا نومة ..متزعليش يا نونو..تتعوض"!

اخذ يدق الهاتف طوال الليل ويرسل برسائل ..اعتذار ..كانت روعتها بدأت تهدأ..أجابته ..
هي:عاوز ايه مش مجتش
هو:بس ياحبيبي متعيطيش عشان خاطري ..
هي:(وبدأ صوت نحيبها يعلو):انت اصلا مش بتحبني لو بتحبني مكنتش تسيبني اولع وتنام ..
هو:والله ياحبيبتي ابدا..دانا باموت فيكي والله نمت غصب عني ..يعني انا هقولك اشوفك ومش هاجي بمزاجي ..
يارب اموت لو مش سامحتيني ..
هي(اخذت تكف كف دموعها..وتهديْ من روعها.):بعد الشر ..

قد تكون سامحته علي هذا الموقف..ولكن الطعنة قد تركت أثرا لم تستطع أيامها ان تداويه ..
مرت عدة ايام وأسابيع علي هذا الموقف ..كانت تستشعر أن حبها له يقل يوما عن يوم
وهو الآخر لم يكن يمنحها من وقته ..إلا ما يريد هو..وما يتناسب مع وقته وأشغاله فقط...
هو:دي رابع مرة تتصلي قلتلك مع صحاااااااابي ..
هي:الساعة بقت 3 الفجر ..هتروح إمتي؟!
هو:قلتلك مع صحابي شوية وراجع..مابحبش الزن
هي:مانت عارف إن النهارده الخميس اليوم الوحيد اللي باعرف أكلمك براحتي ..عشان مفيش جامعة ..
هوّ:حاضر ..إقفلي دلوقتي ..وأنا ربع كده وهروح ...

مرت أكثر من ساعتين ...حتي غفت علي هاتفها ..لم تشعر إلا عندما اهتز هاتفها في الخامسة فجرا..
هي:هو انت لسه راجع! ..ده اللي ربع ساعة !..
هو:معلش ياروح قلبي..والله سهرت معاهم بس
هي:مانت كل يوم معاهم..مستخسر فيا يوم واحد تكون معايا فيه ..
هو:أنا اقدر يامراتي ياحبيبتي ...ده أنا نفسي ابقي جنبك وفحضنك طول عمري ..ومحدش ياخدني منك أبدا ..
هي:طيب استنا اقوم اجيب بيبسي من الثلاجة احسن ريقي ناشف
هو(بعنف):بيبسي ايه انتي مش عاملة رجيم؟!
هي:ماهو النهاردة الكسر
هو:ولا كسر ولا بتاع .مفيش حاجة اسمها كسر اصلا ..
هي:خلاص يامحمد..ما هو انت جاي عشان تنكد عليا قبل ما أنام..
هو:هو أنا لما اقولك حاجة أنا عاوزها أبقي بنكد عليكي ؟!..
اكبري بقي واعقلي ..كده
اخذت تكتم دموعها داخلها حتي لا تبديها وهي تحادثه ..
هو:أنا آسف بس مش قصدي ..والله بحبك وانتي هبلة ومعيطة كده ..باحس انك حبيبتي الضعيفة
لا تعلم لما انتفضت تلك الليلة من مكانها ..كفكفت دموعها ..وسألته في دهشة
هي:هو إنت بتحبني لما انكسر ..واتجرح..؟!
اجابها بإجابة زادت من دهشتها أكثر ...
هو:ابقي كداب لو قلت لا ..
حتي بعد انتظارها لهذه الساعات..لم تكن تجد ما يسر قلبها ..لم تكن تجد كلمة حب..او همسة عشق ..
ما كان يحدثها الا عن فتيات الليل..الفاتنات.. اللاتي رآهن اليوم يمضين في الطرقات ..كانت تعطيه مساحة كبيرة من البوح بكل صدق عما يحدث له
لم تكن تعلم ..أن للمرأة خطوطا حمراء يجب ألا يتعداها الرجل ...كانت في حيرة من أمرها ...هل كان عليها أن تضع هذه الخطوط ..فيزيد من احترامها ..واحترام أنوثتها ..فلا يتكلم عن امراة اخري..
أم أن تتركه يبوح بما يحدث له، ويخطر علي قلبه ..فهي إن لم تتركه..سيكتم في قلبه ما يشتهي ...سيحادثها وهو يفكر في امرأة أخري يشتهيها ...
هل الصواب أن تمنعه ..بالقوة أن يبوح؟..أم أن الصواب من البداية هو أن تختار رجلا لا يري غيرها؟ ..
كان يمضي الى النوم...لايبالي باحتياجها اليه..احتياجها للتحدث معه..إلي الاستماع إلي كلمات الحب والغزل ..حتي يعوضها عن تركه لها طوال اليوم
حتي تصبح أقوي وأقوي...فهي تقاوم كل يوم نظرات..هذا..واعجاب ذاك ..لأجله هو فقط ..
كانت لا تدري..هل أحبت لتصبح وحيدة كما كانت سابقا؟..بدأت تتذكرذلك الشعور ..هو هو..ذاك شعورها داخل تلك البلدة ..شعورها بالظلمة والوحدة ...
لكن الفرق كان أعظم..ففي تلك البلدة ..كانت تري ضوء أمل ..يبشرها بأنه سياتي يوم ستذهب فيه من هذا الظلام...أما الآن فهي تدرك أنه لا أمل في أن تشرق من جديد
كانت تسأل قلبها يوما بعد يوم..كيف ستحيا مع رجل لا يبالي بها ..كانت تعلم جيدا أنه لن يتغير ..سيكون ذلك الزوج الذي يذهب الي فراشه دون اكتراث ..بهذه المرأة التي تجلس إلى جواره
أين هذا الرجل من احلامها !..كانت احلامها بسيطة ..لاتريد سوى وردة يعبر بها عن حبه... اتصال بعد خلودهم الي النوم...ليسمع صوتها ..كأنه اشتاقه رغم مفارقته من دقائق ..
لم يكن هو ذلك الفارس الذي تحلم به..بل علي الاحري لم يكن شيئا سوي عبأ نفسيا ..كبيرا

كانت تريده أن يهاتفها ليطمئن عليها أثناء عودتها من الكلية ...كان يعلم جيدا أن خبرتها بهذه المدينة..وهذه الطرقات.. لاتتعدي خبرة طفل في عامه الخامس..
كان لايبالي بأي شيء...ولا يخشي عليها من أي شيء ...
مرت عدة أيام ..وأتي موعد اللقاء الثاني ..وما يثير الدهشة حقا ..أنه تم مثل الاول ..هي هي نفس الأحداث..وهي هي نفس الوعود بالاستيقاظ والمجيء..لكن هذه المرة ..لم تبك ..ولم تدمع عيناها قط..أدركت حينها انه قد وجب الرحيل ..
تذكر جيدا هذه المكالمة ..الليلية بينهما
هي:انت مبتحافظش عليا..
هوّ:أحافظ علي إيه بقولك نمت.. نمت..
هي{وبدأ صوتها يعلو}:نمت إيه..
يعني اولع انا وأنا قاعدة مستنياك !..
هو:بقولك إيه أنا راجل محبش ست صوتها يعلي عليا ..
هي:إنت لو راجل صحيح ..ماكونتش تسيبني في الشارع استناك واللي رايح واللي جاي يعاكس ويبص ..
وأغلقت الهاتف بوجهه..
كان اول قرار لها .بتركه والابتعاد عنه ..
مرت عدة أيام ..
كان يرسل لها رسائل الاعتذار ..والتوسل ..يذكرها ..بأحلامهم..والطفل الذي ستنجبه يوما ...وتطلق عليه عبدالله
كانت تريده حقا عبدأً لله
لم يكن يدري أن هذه الرسالة قد زادت من غضبها وبغضها ..فقد تذكرت هذا الموقف ..عندما أخذت تحدثه عن هذا الطفل الذي سيكون ثمرة حبهما
هي:انا عاوزاه يكون ..شبهك ..
كانت تنتظر ان يبادلها الكلمة باصرار..بل يشبهك انتي..ولكنه أجابها بغرور
هو:آه شبهي..بس يكون طيب زيك ..

وكأنها لا تمتلك سوى الطيبة ...كان رجلا ..يشعر أي امرأة بحق بانوثتها ومدى جمالها ..إلا هي ..
كانت ترى في عينيه وكلماته..انها اقلهن جمال..واقلهن جاذبية ...كانت تشعر ..بدوران الأرض بها يوما بعد يوم ..
عندما تسمع كلمات الاعجاب من زملائها ..وأقاربها ..بل هي الطفلة ..التي منذ الصغر ..ملقبة بالجميلة..كانت العائلة..لاتتكلم سوي عن جمالها
اذا وضعت طفلة جميلة..سمعت..الجملة التي اعتادتها ..
"دي طالعة جميلة زي نور"
كان هاجس يراودها دائما..أنه ما أتي إلا ليدمرها..كان يتعمد أن يتحدث عن نسائه القدامي..والفنانين والمشاهير ...وعن جمال كل واحدة
إلا هي ...لم تذكر يوما أنه مدح عينيها...و جمالها ...مثل أي عاشق ..أو محب ..
كانت توقن حقا انه يريد أن يدمر ...ثقتها..، والتي كانت دوما مصدر قوتها..لا بل بالأحري...يريد قتل المرأة الواثقة من جمالها..التي تسكنها
مر يومان أو ثلاثة..لاتذكر تحديدا العدد..
التقيا ..بشارعها ..أوقفها رغم أنفها..وأخذ يعتذر ويتوسل لها أن تسامحه..اخذ ينظر الي عينيها ..ويذكرها بحبهما..كانت تري في عينيه ..نظرة تحد واصرار ..وقوة ..كانت تري عينيه
موطن القوة..لأنهما يعلمان جيدا انها تعشقهما ..وهو كذلك يعلم ...
لأجل ذلك بدأ يزداد من القسوة والطعن..لأنه يعلم تماما ..انها لن تتركه
الي أن أتت تلك الليلة ...
كان قد مر علي حبها..أكثر من أربعة اشهر ..حقا لم تبتسم ..أكثر مما بكت ..كانت الصفات السيئة بدأت تبدو شيئا فشيئا ..
الإهمال..والبغض لأهلها ...عدم الغيرة التي طالما ..وجدتها ..بين عينيه حتي وإن حاول هو التظاهر بالغيرة..
كان لايخشي ان ينظر إليها أحد سواه..لكن كل ماكان يخشاه..هو أن يفوز بها احد سواه
كانت في هذه الاثناء ..قد ازدادت الخلافات بينهما ..وكثر ما كان يحد من التفاهم بينهما حول موعد قدومه الي اهلها ..لخطبتها
كانت تنهره بشدة لأنه حتي لايكلف نفسه الذهاب إلي مشروعه الصغير ..لايذهب إليه الا عندما يحل الظلام الحالك ليلا..فيذهب ..للسهر والمرح مع رفقائه ...حتي فشل المشروع..وتكاثرت الديون عليه..
كان لايبالي كيف سيدبر الأموال للوازم زواجهما ..لايبالي إلا لنزهاته مع رفقائه..وسجائره باهظة الثمن ...لايبالي الا لنفسه ..هو فقط
حتي أتي يوم اشتدت حدة النقاش بينهما..كان ذلك اليوم  الذي اخبرتها فيه احدي صديقاتها ...انه غازلها ..لم تكن هذه الصديقة ..أول واحدة تحادثها في هذا الموضوع..فقد حدثتها اثنتان قبلها ..بمغازلته لهما ..
كانت تري بأعين صديقاتها ..الشماته والانتصار ..كأنهن يردن أن يخبرنها ..بجملة واحدة .."رغم أنك الأكثر جمالا والأهم اجتماعيا..إلا أنه يردنا نحن...يلهث ورائنا ..وآسف لاستخدامي ..هذا اللفظ..لكن الرجل اذا ترك الثمين ولهث وراء ...الحقير..كان كالكلب..يلهث وراء العظام ..
هو:والله ما شفتها ولا اعرفها صدقيني يا نونو..خليكي واثقة في نفسك بقي
متدمريش حياتنا عشان دول...يعني انا سبت اللي أجمل منهم عشانك ..وانتي مش واثقة فيا برضه

كانت تحاول التغلب علي نفسها ..وتصديقه..تعلم أنه كاذب لكنها تحاول أن ترغم قلبها علي التصديق ..
وأتي عيد الحب..قامت بشراء هدية صغيرة له..تعبيرا عن حبها له...ومحاولة لتخفيف حدة المشاجرات بينهما ...
أتت احدي قريباتها لزيارتهم..كانت فتاة جميلة بعض الشيء..وكانت مثل تلك البنات تبدي اكثر مما تخفي ..اصطحبت قريبتها ..ودقت هاتف ..حبيبها
هي:عاوزة اشوفك 3دقايق بس ...خليك في المتجر ال...
هو:ليه هو في ايه؟
هي:تعالي بس دلوقتي
أكملت طريقها هي  وقريبتها إلي المتجر ..كانت تحمل الهدية بيدها ..
رأته..ورأت تلك النظرة التي لن تنساها ..إلي أن ينتهي ما بقي من عمرها
تلك النظرة ..الحقيرة..الجنسية البذيئة ..إلي قريبتها ..حاولت ان تكذب نفسها ..ولكن تأكد ظنها..عندما دنا منها برفق..وهمس لها
هو(موجها النظر الي قريبتها ):ده ايه الصاروخ.... اللي معاكي دي ..؟!
...سقطت الهدية من يدها ..تجمع الدمع بعينيها  ...نظرت إليه باحتقار..ودهشة ..
طأطأت رأسها...في حسرة..وخزي..وهرولت مسرعة.. ومضت ..

هل أنا -حقا-مجنونة ؟!

يقول المثل الإنجليزي: لايمكنك أن تفهم شعور إنسان إلا بعد السير في حذائه عشرة أميال.. نعم .. لايمكنني فهم مالم أجربه.. قد أحسب نفسي قادرة على تخيل الأمر، وتوقع شعوري نحوه، لكن الحقيقة أنني سأظل كالواقف على البر، وهو يظن نفسه قادرا على قطع النهر سباحة!
أعترف.. لم أتزوج قط.. ومعلوماتي عن الزواج وعشرة الرجال محصورة في الأفلام السينمائية التي شاهدتها، وحكايات الأصدقاء والمعارف، وتفاصيل صفحة الحوادث بالجريدة.. نعم أنا أفتقد إلى الخبرة المطلوبة.. وأعتقد أن معظم معلوماتي عن الزواج ربما كانت خاطئة!!
لكني رغم ذلك أحب أن أشارككم حكاية مررت بها.
بطلها ذلك العجيب.. معشوق طفولتي.. هل قلت لكم أنه عرض على الزواج في مكالمتنا الأولى؟!.. أعتقد انني أهملت هذه النقطة لا أدري عمدا أم سهوا.. ولو أن السهو في علم النفس ليس سهوا على الإطلاق.. نعود إلى موضوعنا
كان الطبيب الشهير متزوجا من فتاة رائعة تعمل أستاذا في كلية الزراعة، وقد أنجبت له ولدين، أكبرهما طالب الآن بكلية الحقوق، وكانت شكوى الزوج أنها فضحته في كل مجلس ومكان بسبب شكها الدائم فيه وفي سلوكه.
حين قال لي هذا الكلام، لم أكن قد علمت بعد بأنه يمثل كارثة إنسانية غير مسبوقة (أو ربما كانت مسبوقة وأنا لا أدري!)، وبالطبع فقد تعاطفت معه كثيرا في البداية من منطلق أنه ليس من المعقول تلطيخ سمعة والد أبنائها تحت أي ظرف من الظروف.
لكن بعدما عرفت.. وعرفت.. وعرفت.. أيقنت أن المسكينة ربما كانت على حق، وأنه جحيم متنقل على ساقين.
لكنه عندما طلب مني المساعدة في الخروج من هذا العالم الغريب الذي يعيش فيه، ووافقت بسذاجة مفرطة على خوض تلك المعركة الخاسرة.. سألته وماذا عنها؟
رد علي فورا.. هل تريدين الانتظار حتى أطلقها؟ فصرخت به ..لا أرفض تماما أن تطلقها.. فصمت قليلا وتأملني وقال.. لكن الموضوع منته، واعتقد أنها تريد الطلاق، فقلت له لا .. دعها لي وسأقنعها بالبقاء
قد تحسبونني مجنونة، لكن كانت لدي تلك الخطة الغريبة المجنونة لإصلاح ذلك الرجل وحياته بأكلمها، وكنت أشعر أن الامر يحتاج إلى أكثر من امرأة واحدة!.. كنت أعلم أنها قد ضجت منه، ووضعت كل الأصابع في الشق، ويأست منه يأسا كاملا.. ولكني كنت أشعر أن هناك أملا.. كنت احلم بلقائها وإقناعها بمساعدتي في تنظيف عالمه المشوه، واستئصال كل الأورام السرطانية التي غزت تفاصيل حياته، مع أني ومنذ البداية كنت أعلم أنني لم أكن أنوى -حقا- البقاء، كنت أحلم بإتمام المهمة والرحيل عنهما تاركة لهما السعادة التي شاركت في صنعها، لكنني لا أستطيع الاستمتاع بها، لأنها ببساطة ليست لي، وليست من نصيبي!
هل أنا مجنونة؟ هل أنا حالمة؟ هل أنا واهمة؟ لا أدري.. ربما كنت مزيجا من هؤلاء جميعا.. لكن صدقوا أو لا تصدقوا أنا أعشق السعادة ذاتها.. أحب أن أرى سعادة الناس في العيون والتفاصيل.. ويعز علي لو رأيت أحدا غير سعيد.. وهذه الرغبة المجنونة هي مايحركني في هذا العالم!
ربما لم أتمم خطتي لأنني كرهت حبيبي أكثر من رغبتي في إصلاحه، لكني أحيانا أتوقف وأتساءل هل كانت فكرتي قابلة للتطبيق، وهل كانت زوجته لتقبل مشاركتي في هذه الرحلة المجنونة؟ أعتقد أنكم جميعا تقولون في هذه اللحظة....لا عشم إبليس في الجنة!

وعبثت بقفل الصندوق..جزء2

اخذت ايام اقترابها من الجامعة تقترب شيئا فشيئا ..لم تكن تقترب بالتوقيت اكثر منها بالشعور ..فقد بقيت شهور ليست بقليلة
ولكنها كانت تستشعر ان الشهور ما هي الا ايام وستمضي ..كان قد مر اكثر من شهر علي رجوعها الي بلدتها ..اثرت الجلوس بالمنزل علي التجول والتنزه مثل اخواتها واقرانها ..
ذات يوم ..وتذكر هي ذاك اليوم جيدا ..يومُ  رسم الابتسامة علي شفتي القمر ..ثم سرعان ما كان يوم ارتسام الحزن علي وجهها
ما بقي من عمرها ..كانت تُحمل ذلك اليوم ..ذنب ما وصل اليه حالها ..
ذهبت للتجول مع ابنة خالتها ..كعادتهم..وكأنها تَساق الي قدرها ..
رأته يومها ..وتعلقت عيناها بعينيه ..اول عينين تتعلق بها بعد عيني امها ..
اخذتها عيناه الي عالم اخر..لم تكن قد مرت به يوما ..كانت عيناه تحكي الكثير والكثير...
اكملت طريقها، واكمل هو طريقه بالاتجاه المعاكس ..استدارت بوجهها للخلف ..لتطل عليه ثانية ..واستدار هو الاخر ..
لم ير احدهما استدارة الاخر ..وكأنه كتب عليهما الا يلتقيا ..حتي لو ارادا هما ذلك ..
كان شابا ..يبدو في العقد الثالث من عمره ..يميل الي السمرة ..كانت تميزه عيناه اللامعتين .. اللتان اخترق بريقهما عيناها ..كان متوسط البنية . .يميل الي القوام الرياضي قليلا
يزيد طوله كثيرا عنها ..وكأنها استشعرت في طوله هذا الامان لها ..
ساقتها ابنة خالتها في شدة ..استسلمت لحركتها ..واكملت طريقها ..


مرت الليلة بسلام ..كلٌ يخلد الي وسادته ليذهب الى عالمه الخاص..ولكن  تلك الليلة استشعرت ان يومها لم يعد لها هي وحدها .
.بل وجب عليها ان يشاركها بها احد
اتت الليلة الثانية ..كانت قد ارتدت ..اجمل ثيابها ..كله سواد علي حد سواء لكن ..ارتدت اجمهلن الي قلبها
انتظرت أمام باب المنزل ..حتي هبطت ابنة خالتها ..كانت ابنة خالتها ترمقها بنظرة تصحبها الدهشة
ليلي:هو انتي ايه اللي نزلك النهارده ..من امتي!
هي:زهقانة اوي ..
بدأتا في التجول كعادتهما ..كانت عيناها تبحث عن عينيه ..حتي وجدت عينيه بركن ..صغير مظلم ..كان يجلس مع فتاة أخري .
.لاحظت ابنة خالتها نظرتها له
دنت منها برفق واخبرتها
ليلي:دة بتاع بنات اووووووووي كل يوم مع واحدة جديدة ..وتحسي انهم مشبوهين
حدثت ابنة خالتها وهي تنظر إليه ..
هي:مش فرحان ..خلاص سيبوه ..


لكنه هو عندما لمح عينيها ..ترك يد الفتاة ..كأنه ابن يخشي امه ..
لم يكن رأها الا ذلك اليوم ..ولكنه شعر بشي داخله ..حثه علي ترك يد هذه الفتاة ..


مرت عدة ايام كانت تراه ..كثيرا..وكان هو الاخر يتعمد الجلوس بذات المكان ..ليراها ..اعتادا النظرات الخاطفة
..حتي اتي يوم ..وتركتها ابنة خالتها دقائق لشراء ..مشروب ..
تبسم لها ..وفعل ما يطلق عليه بالغمزة


تبسمت ..


وتبسمت الآن ايضا عندما تذكرت هذا الموقف ..
لفتتها المضيفة برفق..فاخرجتها من استرخائها
المضيفة:meat or fish


تناولت الاطباق من المضيفة ووضعتها علي المنضدة المخصصة للطعام بالطائرة ..
نظرت الى ابنيها..كانا قد استغرقا في سبات عميق ..


بدأت في تناول الطعام ...توقفت لحظة ..تذكرته ..عندما كان ينهرهها لان وزنها زاد القليل ..وهو لا يريد ذلك ..
نعم كان هو ذلك الشاب ..
هو:انا مش بحب يبقي في سنتي زيادة ..
هي:بس دول مش زيادة انا مش عوزة ابقي سل ..
هو:انا مبحبش كده ..انا سبت البنات عشانك يبقي لازم تكوني زي مانا عاوز ..
كانت تشعر بالانكسار امام كلماته هذه..فقد كانت هذه اولي ايام حبهما ..بدأت تستشعر الخيبة والخذلان في حبها ..
كانت تري الانبهار في عيون الناس ..والسنتهم ..أشياء لاتراها عنده..كانه اتي ليدمرها ..كانت تسأله يوما بعد اليوم
هي:لما انا مش عجباك بتحبني ليه؟!
هو:انا بحبك ..وعاوزك تكوني زي منا عاوزك عشان ماحتجش غيرك ..وبعدين متزعليش انا اسف ..
انا بحبك ياستي وبموت فيكي ..متزعليش بقي


كان دائما ما يفسد ويحاول ان يصلح..كانت تغفر له لشدة تعلقها به


تبسمت لنفسها في حسرة..الان اصبح قوامها لا يتعدي الخمسين ..اصبح قوامها ضعيفا نحيلا ..مثلما كان يريد .
.اصبحت ذات الانثي ..مكتملة الانوثة التي كان يبحث عنها
لكنها ليست له ..وابدا لن تكون ..

وعبثت بقفل الصندوق..الحلقة 1

بدأت في الصعود الي سلم الطائرة ..بخيفة وحذر ..هكذا هي تغير بها الكثير والكثير..لكنها لازالت تخشى سلم الطائرة
واصبحت تخشاه اكثر واكثر ..عندما اصبح لديها طفلان تخشى عليهما السقوط..وكأنها ترى هذا السلم هو طريق حياتها
هكذا هي ...سيدة ..امرأة عندما تنظر بوجهها تري علامات التعب والكهل ..رغم ان عمرها لم يتعد منتصف العقد
الثالث بعد ..جميل هو وجهها ..حتي وهي تخفي جمالها داخل سترة سوداء ..داكنة اللون..يبدو وجهها كقمر مضيء
بسماء مظلمة كاحلة ..وضعت طفلها الصغير ..برفق علي الكرسي ..وأجلست الاخر بجانبها ..بعد صراخ منه ..:يوما ..
ابغى انام بحضنك ..
كان الصغير يشبهها كثيراً ..لونها البرونزي الفاتحّ..ولكنه أخذ عن ابيه شعره الكثيف ..وكان الاخر عربي الشكل كثيرا
كان يبدو كرجل رغم ان سنوات عمره ..لم تتعد عدد اصابع يد واحدة من يديه الصغيرة..كانت عيناه تشبه عينيها كثيرا..
كانتا تحملان وتستشعران حزن أم هذا الصبي ..


اغلقت هاتفها المحمول..يبدو انه غالي الثمن ..ليس هو فقط بل كل ما كانت تمتلك ..من معاصم وخواتم في يداها ..من الذهب الثمين ..
والجواهر الغالية


استرخت علي الكرسي بهدوء ..لم تبال بنداء الطيار لربط حزام الامان ..رغم انها احكمت غلقه لاطفالها
كأنها تريد ان تُبقي علي حياتهم ..وتذهب بحياتها هي ..
اخذت الطائرة بالصعود ..كانت انفاسها وارواحها تتصاعد مع الطائرة الى السماء ..كم تمنت لو ان أنفاسها وروحها
صعدت ولم تهبط ثانية ..
اُنطفأت انوار الطائرة ..ولم يبقي سوى انوار دافئة ..لتسترخي الاعصاب ..اغمضت عيناها ..كأنها تريد ان تسترجع حياتها السابقة ..
بدأت تتذكر ذلك اليوم ..عندما عادت من هذه البلدة ..علي متن طائرة تشبه ..هذه الطائرة كثيرا ..
كانت تجلس مبتسمة يكاد وجهها ان ينير العالم بأكمله ..
بدأت تتذكر حديثها مع اختها الصغرى في ذلك اليوم ..


سمر:انتي خايفة كدة ..فكي فكي الحزام ده ..
هي:لا انا بخاف ..انتي مشوفتيش الكابتن وهو بيقول ..
سمر:لا شفته وهو طالع الطيارة امور اوي ..
هي:انا مش مصدقة ان احنا رايحين مصر خلاص ..
انا فرحاااااااااااانة اوي ..
سمر:وانا كمان ..بصي احنا نروح نظبط المكياج يكون ابوكي خلص اجراءات الشنط والحاجة
هي :ماشي ..
سمر:يابختك يابت هتدخلي الجامعة السنادي والمزز ..واحنا قاعدين ..


اخذت تنظر الي السماء بغرور متواضع ..وحدثتها بكبر:انا مش لسه عيلة زيكم..يابتوع المدارس




بدأت ترتسم علي شفتيها ابسامة حزينة عندما تذكرت هذا الحوار ..


ثم عاودت استكمال ذكرياتها ..


سمر:ماما انا مليش دعوة انا مش هامسك عيالك دول..انا مش خلفتهم ونسيتهم ..
الام:كل واحدة تمسك عيلة عشان مايتوهوش ..
كانت كعادتها تفضل الاستسلام للامر عن المواجهة..هكذا هي.. اضاعت نصف عمرها نتيجة الاستسلام ..للواقع
وعندما احتجت ..ضاع نصف عمرها الاخر


وهكذا امسكت بالطفلة الصغيرة ..كانت تشبهها كثيرا ..في الملامح..كأنها الجزء المصغر منها ..لم تكن بذلك اليوم تكترث لاي امر ..
فهي تعلم انها ما هي الا عدة اشهر وتذهب الى ..الجامعة..وما ادراك ما الجامعة بعينيها ..
كانت تراها المدينة الجميلة..التي ستعوضها سنوات الوحشة والغربة ..داخل هذه البلد ..التي لايحدها سوي الظلام..ولايرتدي نساؤها سوي ثوب الظلام..رغم انها اثرت الاستمرار
في هذا الثوب ابديا ..


اخذت تتذكر عندما ..اصطحبتها ابنة خالتها ..كانت تصغرها بشهور قليلة ..
اصطحبتها الي شوارع المدينة التي لا تعرف للنوم مكانا ..كانت تنظر بدهشة الي هذه المدينة..رغم انها لم تفارقها كثيرا
لكنها بدأت تدرك حقيقة ..الامر..هذه هي المدينة التي ستكمل حياتها هنا..لا بل هذه المدينة التي ستبدأ حياتها بها


بدأت تنظر الي النساء في دهشة ..كيف انهن يبدين اكثر مما يخفين ..اخذت تتذكر نساء تلك البلدة ..ورجالها ..كانوا يرتدين نفس الثياب
لايوجد من يتخلف عن ذاك اللون ..ابدا..الابيض للرجال..والاسود للنساء..وكأنهم مطبوعات متماثلة ..زي مدرسي يخافون ان يحيدوا عنه
بدأت توجه السؤال لابنة خالتها في دهشة ..
هي:هو انتم لابسين كده ليه..هو انتم مش خايفين تموتوا ..
ولكن سرعان ما ادركت ان ابنة خالتها هي الاخري ترتدى مثل هؤلاء الفتيات ..


بدأت تتجول معها ..بدأت الوحشة تزول شيئا فشيئا ..كانت تسمع عبارات الغزل من هذا ..هذا يمدح في وجهها ..وهذا في عينيها
وذاك في بدنها ..
بدأت تستشعر انوثتها ..بدأت أولي خطوات مقتل الطفلة بداخلها ..

الثلاثاء، 21 فبراير 2012

فينك

مر اكثر من اسبوعين علي افتراقنا ..بدات اشعر بمعنى الفراق الان ..هكذا انا لا اشعر بالحزن الا مؤجلا
..تاخذني الجلالة والحماس
ثم اجلس لاتذكر وابكي ..عقلى يكاد يذهب ..لا اتخيل انه سيأتي رجل من بعدك واخبره بحبي له
كيف هذا ..حبيبي ..واصمتوا ..دعوني اناديه حبيبي ..فقد اشتقت الى التلفظ بها ..دعوني اخاطبه وحدي..
دعوني اسأله ..استحلفه بالله..لما اضاع ذلك الحب منه ..لما استلذ عذابي ..لما لم تستشعر حبي الا الان ..
لا تخبروني انه رحل عن مدينتي ..وانه سيأتي رجل اخر ليسكنها! ..
لم اعد اقدر علي تهدئة الصراع بين قلبي وعقلي
استشعر نفسي مثل هذه الطفلة التي طالما وضعت صورتها ..ادير بوجهي ..ولكن آه ثم آه ..لما لفتت يد ذقني برفق ..كم من الدمع سيبلل هذه اليد؟
عقلي دعني ..استحلفك بالله ان تذهب عني يوما واحدا..ايامي التي مضت ..استحلفك بالله ان تعودي ولو للحظات..حتي ترتاح نفسي ولو لدقائق معدودة..
دعيني انظر الي عينيه ..دعيني استمع الي صوته ..اشتقت اليه ..كم بكيت اليوم عندما افقت ويداي علي اذني ..كان حلما ..كم تمنيت الا افيق منه ..
فينك..

الأربعاء، 15 فبراير 2012

شبح زليخا اللعوب...

صديقي محمد كان شابا طيبا.. يعيش مع أمه التي توفي زوجها مبكرا؛ فتفرغت لرعاية أبنائها، ورفضت الزواج مرة ثانية.. كان محمد أكبر أبنائها.. كان طالبا متفوقا.. لكن كان في حياته سر كبير، أو هكذا كنت أحسبه في هذه السن المبكرة.
كنا في العام الأخير لنا في الكلية.. وكان أحد أيام شهر رمضان المبارك، حين اقترب مني شاب في الشارع قرب الشقة المفروشة التي أعيش فيها مع زميلاتي، وقال لي أريد اقتراض أوراق الدرس الذي تأخذينه.. لم أكن أعرفه البتة، لكنني استنتجت أنه زميلي، فقلت له تعالى معى إن بيتي قريب، وسأعطيك الورق كله، وبالفعل سرنا معا، وأنا حتى لا أعرف اسمه!
أعطيته الورق، وأنا خائفة بداخلي من أن يختفي بكل ما أملك عن المادة، ووعدني بأن يأتيني بالورق بعد الإفطار، وبالفعل صدق وعده، ووجدت ابن البواب يجلب لي الأوراق في الموعد المحدد.
في اليوم التالي كانت تنتظرني مفاجأة محرجة، وجدت نفس الشاب معي في نفس السيكشن، وعلمت أنه زميلي منذ 3 سنوات على الأقل، وأنا لا أعرفه، حمدا لله أنه لم يدرك أنني لم أميزه قط رغم طول عهد الزمالة بيننا!!
بعد عدة أيام فوجئت بمحمد تحت المنزل، وبابن البواب يناديني كي أكلم زميلي، فنزلت وأنا مندهشة من الزيارة المفاجئة والجريئة بكل المعايير، وقفت معه أمام البوابة، وفوجئت به يقول لي ما لم أتوقعه... قال لي.. "اسمعي بقى أنا عندي حاجة عاوز احكيهالك"...
في البدء اعتقدت انه معجب بي، وأشفقت عليه من التعرض للرفض من قبلي لأنني أكبره في السن بشكل مبدئي، لكني فوجئت به يروي لي حكاية كنت أحسبها في ذلك الحين غريبة !
تسمرت في مكاني وأنا أستمع لكلام الشاب الذي كنت أحسبه بريئا، وهو يروي لي عن علاقة آثمة مع جارة له.. متزوجة!، وكيف أنه يذهب لها في غياب زوجها، و...
تمالكت نفسي في النهاية، وبدأت أناقش معه علاقته الآثمة المرفوضة في كل الأعراف، لم أبد له رفضي لما يقول، وكعادتي لم أحاكمه، ولم أصدر عليه أحكاما أخلاقية، كما يفعل الناس في العادة، أخذت أفند له العلاقة، وكيف أن تلك المرأة استغلت ضعفه الذكوري وشبابه الجامح، وأنه لايحبها، وإنما تروقه التجربة الجنسية غير المسبوقة، ثم قذفت في وجهه بقنبلتي المعهودة في تلك الحالات.. قلت له لابد أن توقف هذه العلاقة فورا، وإلا فإنك ستجد من يفعل ذلك مع زوجتك، فدقة بدقة ولو زدنا لزاد السقا!
كنت أستغرب لجوء محمد لي، وأنا التي لم يمر على تعارفه بها أيام معدودات، والأغرب أنه استجاب لي، وقطع علاقته بتلك المرأة اللعوب تماما، وكان كلما شعر بالضعف، جاء لي، وتحدث معي حتى يستجمع قوته مرة أخرى.. والأغرب من هذا وذاك أن محمد عمل بنصيحتي، وتزوج من طالبة في الكلية تصغرنا، كنت قد مدحت له-ذات مرة- براءة وجهها واحتشام ملبسها..
سألته يوما لماذا أنا بالذات قررت أن تروي لها كل هذا؟.. قال لي كنت أشعر دائما أنك ستتفهمين، ولن ترفضي سماعي... ومرت الأعوام، وكبرت أنا، وسمعت مئات الحكايات من مئات الزملاء والزميلات والأصدقاء والصديقات...وخلصت في حالة الرجال منهم.. أن في حياة كل رجل زليخا.. قد تأتي في البداية مثلما حدث مع يوسف عليه السلام أو مع صديقي محمد.. وقد تأتي قرب النهاية مثلما حدث مع آخرين... لكن تبقى زليخا كشبح لعوب يطارد رجالنا جميعا بلا هوادة.. فحذار أيها الرجال وأنتن أيضا أيتها النساء..

صديقي الذي يخاف على..سمعته

قابلت صديقا قديما وزميلا لي في المصعد منذ بضعة أسابيع، فتهلل بدبلوماسية ورحب بي وعاتبني لأنني لا اداوم الاتصال به، فرددت عليه بشقاوة بأنني أشاهده كثيرا مع فتيات، ولهذا لا أقترب منه، حتى لا أكدر صفوه.. فارتاع لما أقول، وقال إنهن زميلات له في العمل، وأنه أبعد مايكون عما دار في ذهني، وطلب مني ضاحكا ألا أفسد سمعته.
وضحكت.. وقلت له لاتخف.. منذ بداية معرفتي بك، وأنا أصون سرك وجهرك، وذكرته بزوجته عندما قالت لي بسذاجة تخفي بها قلقها، انه أفهمها أنه يخجل من الكلام مع الفتيات، وأنه أصر على أن تحدث بنفسها مدرسة اللغة الإيطالية بالمركز الإيطالي، لكي تسألها عن نتيجته في الاختبار، لأنه يخجل من أن يسألها بنفسه!!
يومها لم أكذبه، وأكدت ماقاله لها، ولم أحاول أن أخرجها من حلمها الساذج.. بأن زوجها أيضا ساذج.. لكني فعلت ذلك من أجلها، لأنها أطيب من أن أصدمها بواقع ربما تعرفه في أعماقها، ولكنها تفضل أن تغض الطرف عنه..