السبت، 3 مارس 2012

وعبثت بقفل الصندوق جزء 7 (الأخير)

بدأ جسدها ينتفض الآن ..يرتجف ..عندما عادت بها الذاكرة أيام قليلة الي الوراء ..
كانا قد عادا الي المملكة..بعد زيارة قصيرة إلي مصر ..وجدت تغيرا ملحوظا بينها وبين أفراد العائلة..كلما مرت بمجلس إحداهن..توقفن عن الحديث.
أو وجهن الحديث إلي موضوع آخر ..لاحظت الارتباك بعيون نساء اخوته..كلما مرت بهن ..
حتي ياسر..كانت عيناه شاردتين دائما ..وكلما تحدثت إليه ..وسألته عن سبب شروده..تحجج بالعمل ومشاكل العملاء ..!
لكنها كانت تستشعر بشيء ما يحدث
.يعلمه الجميع..وتجهله هي ..

ذات مساء..ذهب ياسر للدوام..وعلي الفور..اتصلت بعزة..وطلبت منها أن تأتي لتحتسي معها القهوة..
أتت عزة..قدمت لها القهوة..ثم استأذنتها للذهاب إلي الغرفة الثانية ..لاحضار شيء ..مضت عدة دقائق..عادت ..وهي ممسكة بمصحف ..
اقتربت من عزة ..نظرت بعينيها ..ثم قالت بتوسل:بالله عليكي..وحياة المصحف ده ..قوليلي..إيه بيحصل في البيت من ورايا ..؟
في ايه؟ ..وياسر وهما بيدبروا لإيه من ورايا..؟
بدت علي عزة علامات الارتباك..قامت من علي المقعد..وهمت بالذهاب ..وقالت في عجلة:أنا معرفش حاجة ومليش دعوة..
جذبت يد عزة بقوة..وقالت في توسل(ده انا بستحلفك بالله)..
أطالت عزة النظر بعينيها ..ثم قالت:بس متقوليش ان أنا اللي قلتلك..أنا مش ناقصة خناقات مع فهد..
-لا متخافيش ..صدقيني مش هاقول ..
صمتت عزة للحظات..ثم قالت:ياسر هيتجوز..
وقعت الكلمة علي أذنيها كالصاعقة ..أغمضت عينيها لثوان ..
نعم ..قد صدقها قلبها ..صدقتها عيناها ..عندما همست لها ..أن عيني ياسر ..شاردتان..ليستا معها ..
ابتلعت ريقها ..ثم قالت بصوت..مختنق..
-مين ..؟
قالت عزة في تردد:بـ.. بنت عمه ..اللي جوزها مات من كام شهر ..فاكرة..؟
أغمضت عيناها..وهزت براسها..بالايجاب..
تركتها عزة ..ومضت..
اشتعلت النيران داخلها..
أخذت ترمق أرجاء الغرفة .بعينيها ..لكنها لا تري شيئا ..لا تري أمامها ..سوى ياسر ..ومجالس النساء
إلى هذا الحد يستهينون بها.!..اشتعلت نيران الغضب بداخلها أكثر وأكثر..بدأت دموعها بالسقوط..
تناولت هاتفها في غضب ..ودقت هاتف ياسر..
-(بصوت..يخالطه صوت نحيبها..):أيوه يا ياسر ..
-(بفزع):مالك يا نور..ايش في ..؟
-(وصوت نحيبها يزداد شيئا فشيئا):تعالي دلوقتي ..تعالي دلوقتي ..
-حاضر حاضر..إهدي بس ..
أغلقت الهاتف بوجهه..ركب سيارته مسرعا..ومضى في طريق المنزل ..مضي بذهن مشتت..وعينين شاردتين..يعلم ما بحبيبته جيدا ..
ولكن لايعلم ماذا سيخبرها ..وبأي سبب ..سيبرر موقفه ..وما يحدث ..
وصل المنزل ..ركض مسرعا إلي غرفتها ..وجدها ..تبكي بشدة ..وقد احمرت وجنتاها ..
توقف عند الباب للحظات ..ثم أغلق الباب ..ومضى نحو مقعد علي يسار الغرفة ..
وضع كفيه علي وجهه..وطأطأ رأسه في ضيق ..
اقتربت منه بخطوات بطيئة ..كفكفت دموعها ..وقالت بصوت مختنق:كدب ..مش كده..اللي قالته عزة ..كدب..صح ..
رفع وجهه..أطال النظر بعينيها ..ثم طأطأ رأسه ثانيةً
صرخت به:انت مبتردش ليه؟ ..ساكت ليه؟ ..اتكلم ..
رفع وجهه إليها ثانية..ثم مسح بيده علي شعرها ..وقال بصوت مملوء بالضيق:إهدي بس يا نور ..
صرخت به:أهدي ايه ..أهدى لحد ما الاقيك مجوز وأنا آخر من يعلم ..
صرخ بها:اسكتي شوي ..أنا ما بعرف ايش اسوي ..خلاص عقلي بيروح مني من كتر التفكير ..
توقفت عن البكاء فجأة..وامتلكتها الدهشة .وسألته في تعجب:يعني ايه مش عارف هتعمل اية؟؟هو في حد غاصبك علي الجواز ..
أطال النظر بعينيها..وقال بصوت مختنق:ابوي يا نور ..العيلة كلها شايفة اني لازم اتزوج بنت عمي ..
-طيب وانت ..شايف إيه ..؟
أخذ ينظر بعينيها ..ولم يجبها ..
أمسكت برأسه بين كفيها ..نظرت بعينيه..ثم قالت ..بصوت خافت..حزين:هاتعمل إيه يا ياسر ..؟
حل الصمت لحظات..
(ثم صرخت بوجهه):هتعمل إيه يا ياسر ..؟
صرخ بوجهها:ما بعرف..قلتلك ما بعرف ..
أطالت النظر بعينيه..ثم قالت بصوت خافت:هتجوزها ..؟؟
نظر إليها بحزن..ثم استدار بوجهه..أدارت وجهه إليها بقوة..وصرخت به:هتجوزها ؟؟
طأطأ رأسه ..وأجابها في خجل..:معرفش ..
توقفت عن البكاء ..كفكفت دموعها ..نظرت إليه بحزن ..ثم قالت ..بحزم:لما تبقي تعرف هتعمل ايه ..عشان مراتك وبيتك ..ابقي تعالي كلمني..
أغلقت الباب بقوة..ومضت نحو غرفة أبنائها ..


اخذت تبكي ليلتها كاملة..آآآآآآآآه ..ثم آآآآآآآآآه ..يأبى شبح المرأة الأخري ..إلا أن يلاحقها ..بالأمس ..لم يتركها ..
لاحقها ..وأخذ منها حبيبها الأول ..أغراه بالشهوة..والمتعة ..سلب لبه وقلبه.. وتركه لها جسدا بلا روح ..
واستسلمت لقدرها..والآن يلاحقها من جديد..يأبى الا ان يأخذ منها أغلي ما تملك..زوجها ...حبيبيها ..قرة عينها..
اخذت تضرب جبهتها بكفها بشدة..وتلعن حظها ..آآه..تعلم أن الشبح قد نجح في خطته..فقد وجد الطريق الأمثل ..للوصول الي زوجها ."أباه ..
وقبيلته ..وعرفه ..وتقاليده .."
أخذت تبكي وتبكي ..تعلم أنها كائن ضعيف ..أمام هذا السد المنيع ..لا تستطيع ..أن تفعل شيئا ..تعلم جيدا أن ما خطط له ..سيتم رغما
عنها ..
لكن صوتاما بداخلها صرخ فجأة:
.لا ..لا تتركيه ..أحتاجه..لا تتركيهم ياخذونه..ويأسرونه..أريده ..يعلو الصوت داخلها ..ويزداد صراخه..
تعلمه جيدا..إنه صوت قلبها ..قد سمعته من قبل ..ولم تقدر علي فعل شيء لأجله ..لكنها لا تستطيع أن تخذله مرة اخرى ..
همت بالذهاب إليه..لكنها توقفت عندما سمعت صوتا آخر..
عقلها..نعم عقلها..هو الآخر صرخ بها..
لا ..لاتذهبي اليه..هو اخبرك أنه ..لا يعلم مالذي سيفعل ..أي إنه يفكر بالامر ..يفكر بالزواج من امراة أخري..!
حتي وإن كان الزواج رغما عنه..فهو يقلب الأمر يمينا ويسارا..أي إنه علي استعداد ..للزواج بامرأة أخرى..
تملكها الكبرياء والعند مرة أخرى
بالماضي امتلكها ..فأبت إلا أن تترك حبيبها الأول..والآن يأبى إلا أن تترك الثاني .. في الماضي كان كبرياؤها صائب الرأي
..لكن الآن ..لا تدري أهو صائب أم مخطيء..؟ لم تعد تدري أي شيء ..

مضت عدة ايام ..حاول ياسر التحدث اليها..لكنها كانت تنظر إليه بحدة ..ولا تلفظ إلا بجملة واحدة"لما تعرف هتعمل ايه ..ابقي كلمني"
وتتركه وتمضي ..

ذات ليلة ..كانت تحتضن ابنها الاكبر..وتغفو إلي جواره ..سمعت خطوات نعلي ياسر ..
فتح الباب..دخل ياسر ..اقترب منها..وهمس لها ..:نور ..تعالي ..
هي(بحدة):عاوز ايه ..؟
سكت للحظات..ثم اجابها بتوسل:تعالي نامي جمبي ..اشتجت لحضنك.. محتاجك جنبي..
-(بحزم وقسوة):ابقي روح نام في حضنها ..
ثم استدارت ..علي جانبها الآخر ..
أطال النظر إليها بحزن ..ثم مضي تجاه الباب ..توقف للحظات..ثم عاد إليها ثانية..
-علي فكرة ..ربنا ما راح يسامحك أبدا ..علي هجرك إلي ..اتذكري هالشي منيح ..وأنا ما راح سامحك..
وتركها ومضي..
لمحت بعينيه ..كما هائلا من الحزن والاحتياج معا ..وأيضا تملكتها الرهبة ..عندما اخبرها ان الله لن يسامحها ..ولاهو كذلك..

أزاحت الغطاء عنها ..ثم مضت نحو غرفتها ..فتحت الباب ..استدار بوجهه إليها ..
تبادلا النظرات ..ثم سألها..:ايه اللي جابك ..جيتي لما قلتلك ان ربنا ما هيرضى عنك ..؟(توقف للحظات..ثم أكمل في حزن)
خلاص يانور ..روحي ما بدي شي منك..أنا مسامحك ..
اقتربت منه ..وضمت رأسه بين ذراعيها ..واخذت اصابعها تتخلل.شعره ..في رفق..
واجابته بحنان:لا يا حبيبي ..أنا جيت عشان انت وحشتني ..زي ما أنا وحشتك ..(اكملت في حزن)..وحشتك ..مش كده ؟؟
ضمها بين ذراعيه بشدة ..وأجابها ..متوسلا ..:وحشتيني مرة..إوعي تتركيني تاني ..إوعي..يانور ..
ضمت راسه بين ذراعيها برفق ..وأخذت تقبلها بحنان ..
وسألته في دلال:امال ليه عايز تسيب حضني..وتروح لحد تاني ..
ازاح ذراعيها بقوة..ونظر لها بغضب ..ثم قال لها:يوووووه..هو لازم كل شي منيح تعكريه ..بلا كلام بالموضوع هاد..
-(بصوت مرتفع):لا..مش هبطل كلام في الموضوع ده..لحد ما تقولي هتعمل ايه ..
-نور انتي ايش تبغي بالضبط..(وارتفع صوته)لايش بدك توصلي..؟؟
اقتربت منه ..وهمست له (بدلال):بدي تكون ليا..ومحدش ياخدك مني ..
-(باستنكار):ومين قالك اني راح اتركك..مو معنى ..اني هتزوج..اني راح اتركك..بالعكس راح اعطيكي حجك متلك متلها ..
المفروض هي اللي تخاف ..مو إنتي..لاني بحبك إنتي أكتر ..وراح أميلك غصب عني ..يعني هي راح تتظلم معي ..
-(باستنكار):طب ليه! ..تظلم واحدة تانية ليه!..إيه اللي يجبرنا علي كده ..!؟
-(بصوت عال):ابوي..والعيلة كلها ..(ثم هدأ من نبرته):نور ..هادا..عرف ..وعادات وتجاليد..ما بيصير تموت ..
نظرت إليه بحزن .ثم قالت بصوت مختنق:بس انا..أنا بس اللي ينفع تموت .. مش كده ..؟
ضم رأسها بين كفيه برفق..ثم قال(بحنان):بعد الشر عنك .إنتي حبيبتي وروح قلبي..بس إيش اسوي ..صدقيني أنا ما بعرف إيش اسوي ..
أنا لو بإرادتي ..ما راح اتزوج أبدا غيرك ..بس ما باليد حيلة ..ابوي هو اللي أمر بكده ..
اطالت النظر بعينيه..وسألته (بحزن وقهر)..:طب ليه!..إنت ليه ..ليه مش حد تاني ..؟!
-بتعرفي إن اخوتي كلهم متزوجين ..أكثر من واحدة..وابوي أصر إني أتزوجها ..عشان كمان يصير عندي زوجة من بنات بلدي ..
وكمان ما بيصير .. تتزوج من خارج عيلتنا ..
سقطت الدموع من عينيها.. سألته بصوت مختنق:طب ليه ..أنا قصرت في ايه ..عشان تتجوز واحدة ..تانية..؟!(واكملت بصوت مختنق..)
بدل الولد..خلفتلك اتنين ..وإن شاء الله اجيب تاني ..باخد بالي منهم.. ومنك..بصحتي والحمد لله..مش بتعبانة ..
واظن مكفياك في احتياجاتك .. (ثم سألته بصوت خافت)..مش كده ..مش احنا كويسين..؟
أجابها بعينيه..يالإيجاب
صرخت به..:يبقي ليه ..ليه لازم كل حاجة حلوة تتاخد مني ..(ثم اكملت بنبرة ..مملوءة بالقهر والحزن)..
زمان ..كنت بحس إن الحياة دي ..وحشة أوي ..مبتدومش لحد..الناس اللي بنحبهم ..دايما بيفارقونا..يا بيموتوا..يا بيروحوا لناس تانية ..
(كفكفت دموعها..ثم اكملت):لحد ما شفتك..قلت خلاص ..الحياة ..بدأت يبقي فيها حاجة حلوة ..بدأت تضحكلي ..
وفجأة كل حاجة بتروح مني ..طب ليه ..(ثم لطمت وجهها بقوة..واخذ تبكي وتبكي):لية عاوزين ياخدوك مني ..ليه ..؟
لية تروح لواحدة تانية..ليه ..؟
ضمها بين ذراعيه بقوة..واخذ يكفكف دموعها ..
واجابها في حزن:لا تبكي..عشان خاطري لاتبكي..والله أنا ما شفتها للحين .وكمان أكبر مني ..يعني أصلا أنا ما أبغاها ...ولا أبغى حدا غيرك
إنتي حبيبتي ..وزوجتي..وما راح اتركك ابدا ..إنتي روحي يا نور ..
مسحت دموعها ..وقالت في حزم:خلاص ..نمشي ..نسيب البلد كلها ..ونمشي..نرجع مصر ..
-(باستنكار ودهشة):نرحل ..نرحل إيش..
-ايوة نمشي يا ياسر ..نروح نعيش هناك ..نترك كل شي..ونبتدي هناك ..
-(بتعجب):نبتدي وين..ونعيش كيف ..!!..إنتي عارفة إحنا قديش بنصرف..وكيف عايشين ..
-نبتدي هناك ..نشتغل ..انت بشهادتك ..هتكفينا وزيادة ..
-بدك أشتغل عند حدا..ويتحكم فيني..بعد ما كنت أنا المالك..؟!
سكتت للحظات ..ثم قالت:خلاص..خد دهبي..والفلوس اللي عندي في البنك..واشتغل بيها ..
-(باستنكار):ايش..بدك ياني اعيش بملكك..واشتغل بمالك..إنتي جنيتي ..!!
-وايه الفرق بينا!..ما كل الفلوس دي وكل الملك ده..انت اللي جبتهولي ..يعني ملكك انت..مش ملكي انا ..
-(بحزم):لا ..هادا مهرك ..وحجك ..وانا ما راح آخد منك شي ..
ثم أكمل باستنكار:كيف بدك اياني..أبعد عن اهلي وعيلتي ..وبلدي..واعيش في بلد مو ببلدي..وناس ما بعرفهم..

وقعت كلماته بأذنها كالصاعقة..ارتجف بدنها ..ثم سألته..بتعجب:أمال أنا سبت اهلي وبلدي وجيت معاك ليه؟! ..لية انا ضحيت بكل ده ..؟!
واخترت اني اكون جنبك..ليه أنا خليتك كل حياتي..واتنازلت عن كل شئ عشانك..وانت مخليني جزء منها..
(نظرت إليه بحسرة)..واكملت في حزن:يظهر اني باهاتي عالفاضي..(ثم همت بالذهاب):جذبها من ذراعها بقوة..أطال النظر بعينيها ..
ثم قال(بتوسل):لا تروحي عشان خاطري ..خليكي جمبي ..(وأكمل في حزن)..انا راح اكلم مع ابوي بكره ..والله يسوي اللي بيه الخير ..
ضمها بين ذراعيه بحنان..كانت عيناه شاردتين..حزينتين..لأنهما لأول مرة.. سيخذلانها ..يعلم جيدا أنه عاجز..علي أن يثني والده عن قراره..

قضت بقية ليلتها في سعادة..لأنها تطمئن كثيرا الى وعوده..لم تذكر أنه تخلف مرة واحدة..عن أحدها..

استيقظت باكرا..علي غير عادتها ..أحضرت له الفطور..داخل الغرفة ..أخذت تطعمه..بدلال..
أطال النظر إليها ..ثم قال:خلاص يانور ..ما في داعي تسوي كل هادا..وتصحي بكير..خبرتك مليون مرة..إني ما أبغي أتزوج..لأن في شي ناقصني.
إنتي راضياني بكل شي...

وارتدى جلبابه..ومضى.. ..

ذهب إلى مكتب والده.وجده يتحدث مع عمه ..هلل فرحا..عندما رأى ياسر ..
والده:تعالي يا ياسر ..داحين كنت بتفج مع عمك ..على موعد العرس ..
تملكه الذهول..ولم يجب..
والده:إيش في يا ياسر..ليش ساكت ..؟!
-(بشرود):ما في شي..بس ..بس مشغول شوي ..أنا لازم اروح ..لمكتبي ..بعد إذنكم ..
والده(بتعجب):طيب انت ليش جيت..؟
-مو متذكر يا أبي ..أنا آسف ..
ثم مضي ..في شرود ..لا يعلم من أين أتي..وإلي أين يذهب ..وماذا سيفعل ..!
جلس بمكتبه ..يفكر ويفكر..يكاد لبه ان يتركه..قطع تفكيره..مجيء اخيه فهد..
فهد:ايش فيك يا ولد ..؟
-(بحزن):ما في شي..
فهد:والله ..وليش وجهك أسود..هيك..
-ابوى..مُصر اني اتزوج بنت عمك..
فهد(بتعجب):وايش فيها يا ياسر ..ليه ما تبغى تتزوجها..؟!
-(بحزن):عشان نور ..مو موافجة..
فهد(باستنكار):ومن متى الحريم ..الهم حج الموافجة ..!
ايش في.. راح تتحكم فيك ..!!
سكت لبرهة .ثم اكمل..:بص يا ياسر...هي مصرية..وهالشي كبير عند المصاروة..بس صدجني شوي..وبتتعود..عزة كانت كده..
بس داحين صارت زوجتي ..رفيجتها ..النسوان هادول ..بيثوروا يثوروا..وبعدين بيهدوا ..وبيرسوا علي لا شي..صدجني ..

أخذ يفكر ويفكر ..بكلام فهد..وعلي ما يبدو..قد اقتنع ..

علي الجانب الاخر..
كانت تمشط شعرها ..أمام المرأة..وتدندن في دلال ..
"يامه القمر ع الباب...نور قناديله..يامه أرد الباب..ولا أناديله..أناديله ..يامه..امه.."..
قطع دندتها ..مجيئ ياسر ..

أخذ يرمقها بعينيه ..من رأسها إلى قدميها ..
نظرت إليه بدهشة..ثم سألته بتعجب:مالك؟ ..بتبصلي كده ليه ..؟
سكت للحظات ..ثم أجابها:لابسة كده ليه..!
-(بدلال):مستنية ..جوزي حبيبي..لما يرجع ..من الشغل ..
ثم نظرت بعينيه..وأكملت بدلال:مش هو بيجي تعبان ..ياحرام..فلازم استناه.. مش كده ولا ايه..
أطال النظر إليها ..ثم طأطأ رأسه في حزن..
دنت منه ..وهمست له برفق ..:مالك يا ياسر؟..عملت ايه مع ابوك ..؟
رفع رأسه..أطال النظر إليها ..ثم طأطأ رأسه.. ثانيةً في خجل..
وأجابها :أنا ما راح اخجل ابوي ..واحرجه امام عمي ..
وقعت كلماته علي أذنيها كالصاعقة..أغمضت عينيها ..خارت قواها فجأة.. واستندت بيدها ..علي المقعد..
نظر إليها في حزن ..ثم أشاح بوجهه عنها ..
ارتجف جسدها ..أخذت تنظر حولها ..لاترى سوي ظلمه..يلاحق عينيها أينما اتجهت..
سكتت للحظات..ثم سألته بصوت مختنق..مملوء بالقهر..والخذل:يعني إيه ؟! ..بعتني ..؟؟!!
صرخ بها:بعتك إيش ..إنتي ليش بتقولي الكلام هاد..
أنا حبيتك ..واحتويتك..وكنت وراح ضل ..كل شيء إلك..
ثم أكمل بحزن:أنا عمري ما جصرت معكي بشي يا نور ..وكل شي بغيتيه سويته..وعمري ما بعتك ..
صرخت به:كدااااااااااااب ..انت كداب ..
(انخفض صوتها..ثم أكملت بحزن):انت.. بعتني..واتخليت عني
عمري ما اتصورت إنك تعمل كده ..إنت أكبر خاين وكداب ..
صرخ بها:أنا عمري ما كنت خاين ..ولا كذاب..إنتي كل شي احتجتيه أنا سويتهولك ..وعمري ما اتخليت عنك..إنتي اللي انانية..
ما بتفكري الا ..بنفسك وبس ..ما بتفكري فيني..وكيف بدي أعصي ابوي ..وكيف بيكون مظهري أمام عيلتي ..
ما بتقدري أنا إيش سويت عشانك..بعمري ما زعلتك..ولا أخرت إلك طلب ..لكن إنتي ما بتفكري غير بنفسك وبس ..
جلتلك راح تضلي زوجتي حبيبيتي..وأبدا ما راح اجصر معك بشي ..
صرخت به:هي كل الحياة طلبات وبس! ..كل الحياة أكل ولبس وفلوس وبس ..!
-إى كل الحياة هيك..وبعدين إيش الفرج بينك وبين باقي الحريم..ما كل زوجات اخواني..جابلين بالوضع..وكل الناس بترضي ..ليش مصعبة الامور هيك؟!

نظرت إليه بحدة ثم قالت:..عشان أنا مش واحدة من الشارع ..إنت عارف كويس أنا مين ..إنت مخدتش واحدة جاهلة..فرحانة بفلوسك.
.ترضى انها تعيش جارية ..ليك ..
(ثم آكملت حديثها بحزم):أنا كان بإيدي ..آخد واحد من بلدي ..وبين أهلي ..ويوفرلي حياة زي اللي انت وفرتهالي ويمكن أحسن..
بس أنا مكنش ناقصني ..شي..مكنش ناقصني غيير حد يحبني بجد ..
وللأسف..افتكرت إنك هتكون الحد ده..بس يظهر اني طلعت مغفلة ..طول الاربع سنين ..واني كنت عايشة ع الفاضي ..
حل الصمت لحظات..هي تبكي ..وهو يطيل النظر إليها بحزن ..
اقترب منها ..وضمها بين ذراعيه برفق ..وهمس لها:إنتي أميرتي ..وحبيبتي.. وراح تضلي الملكة ..
أزاحت ذراعه بقوة..كفكفت دموعها ..وقالت في صلابة:بس مفيش ملكة حد بيشاركها عرشها ..
نظر إليها بدهشة..وسألها في تعجب:يعني ايش..!!
صمتت للحظات..ثم اجابته في حزم:انا سبتك تختار ..بيني وبينها..وانت اخترت ..
وانا مش هقبل اكون مع واحدة تانية ..
سألها بعينيه..
أجابته بحزم:يعني ..طلقني يا ياسر...
تفاجأ من إجابتها..نظر لها بدهشة ..وقال في تعجب:اطلجك..
ثم صرخ بها:انتي جنيييتي..إي والله اكيد جنيتي ..

لم يتوقع منها ياسر ..هذا الطلب ..بل لم بفكر يوما...أن ضريبة زواجه من أخري..هو طلاقه من نور..
ترقرقت الدموع بعينيها..أطالت النظر اليه...وقالت في حزن ..:آه جنيت..جنيت لما افتكرت إن في حب في الدنيا دي..
ثم كفكفت دموعها..وقالت في حزم:هاتطلقني يا ياسر ..
صرخ بها:ما راح اطلجك ..فهمتي علي..
صرخت بوجهه:لا ..قلتلك هاتطلقني ..ومش هاقعد علي ذمتك دقيقة واحدة ...تاني ..
صفعها علي وجهها بقوة ..صفعة..أسقطتها أرضا ..صرخ بها:يظهر اني دللتك كتير ..حتى صرتي..تؤمري وتنهي ..وكأني ما رجال ..
لكن لا يا نور.. راح اتزوج.. وابدا ما راح أطلجك..فهمتي علي ..إنتي ملكي ..وابدا ما هتركك ..

لمعت عيناها بشدة ..أطالت النظر إليه بحدة..وقالت بصوت مختنق:إيه كمان.. هتعمل فيا إيه كمان يا ياسر ؟!..قَووك عليا ..يا ياسر ..
نظر إليها بغضب..ثم تركها ومضي ..

أخذت تلطم وجهها ..وتصرخ ..آآآآآآآآه ...آآآه يا أماه..أذكر جيدا عندما حذرتني..من اختلاف الثقافات..وأن الصدام سيحدث لا محالة ..
لقد علمتك خبرتك..أن الحب وحده..لا ينتصر ..
لكنى لم أكترث لما قلتي..والآن ادفع الثمن غاليا..
.وااااه.واااه...علي تلك الدنيا ..آآآآآه أتعبتني ..لم أعد أقوى علي تحملها ..
خارت قواي ..أيها الشبح ..الذي يأبى أن يتركني ..امضي ..اذهب عني ..يكفي ..آلام ..يكفى عذاب..اتركه لي ..اترك حبيبي ..
اترك زوجي..اترك منجاتي من الصعاب التي تملأ الدنيا ..

مرت بها ليلة ..من أصعب الليالي علي الإطلاق ..كلما أتت احداهن..صرخت بوجهها..وهرولت الأخرى مسرعة ..تخشاها..
أشرقت شمس نهار جديد..لا ترى الا ظلمة ..تحيطها من كل جانب ..
كلما أتت الخادمة بالطعام..أطاحت به في وجه الخادمة ..
فتتركها..وتفر هاربة..
تحتضن ابنها الصغير بشدة ..تصرخ ..فيصرخ معها ..
تبكي ..فيبكي ..ثم تهدىء من روعتها ..وترضعه من ثديها ..وتبلل دموعها..جبهته الرقيقة..

علي الجانب الاخر ..
جلس والد ياسر مع ابنه ..
والده:يابني ..اتركها تروح لاهلها ....سويلها اللي بدها اياه..راح تموت البنية ..
صرخ :لا ..ما راح اتركها تروح لاهلها..أبدا ما راح اتركها ..
ثم هدأ من نبرته ..:أنا آسف يا ابوي ..إني عصبت..بس ربي يعلم اللي انا فيه ..
-بص يا ابني ..اتركها تروح لأهلها ..شوي وبتهدا صدمتها ..وبيجنعوها ..ترجع ..وبتيجي..صدجني انا بفهم الحريم زين ..
..حل الصمت للحظات..ثم قال والده:يلا يا ياسر..اطلع لها ..وخبرها ..إنك هتتركها تسافر لاهلها ..


اقتنع ياسر بكلام والده ..اصطحب الخادمة ..وبرفقتها الطعام ..
دخل الغرفة ..وجدها قد غفت علي الأرض ..وبين احضانها ..طفلها الصغير ..دمعت عيناه ..عندما وجدها على هذا الحال ..
أمسك بالطفل الصغير برفق..أفاقت في فزع ..وصرخت في هلع:سيبوه ..عاوزين منه ايه؟ ..وضمت طفلها الصغير بقوة ..
مسح علي شعرها برفق ..وقال بحزن:لا تخافي ..ما حدا راح ياخده منك..لا تخافي ..
أزاحت يده بقوة ..وصرخت به:إبعد ..إبعد عني ..
ومضت بالبكاء ..وأكملت بصوت يتخلله صوت نحيبها:إبعدوا كلكم ..(أكملت في حسرة):كلكم كدابين ..كلكم ..بتقسوا ..كلكم عاوزين تموتوني ..
(لا تعلم لما تذكرت ..حبيبها السابق ..كأن الحزن يأبي أن يتركها..تذكر كيف اذاها وجرحها)..أخذت تصرخ ..
وتبكي ..:آآآآآآآآآآآآآآه ..إبعدوا بقي عني ..
ارتجف جسدها ..
اقترب منها ..وضمها بقوة ..وقال بصوت باك:عشان خاطري ..لا تبكي ..عشان خاطري .. اللي تبغيه هسويهولك ..
نظرت بعينيه ..وقالت في توسل:سيبني امشي يا ياسر ..عشان خاطري سيبني ..آخد عيالي وامشي ..
ماتموتنيش يا ياسر ..انا مقدرش اشوفك مع واحدة غيري ..(كانت تبكي وتتحدث ..في آن واحد):مقدرش اشوفك ماسك إيد واحدة غيري..
بتدلع واحدة غيري ..(قبلت يده بتوسل):عشان خاطري طلقني ..وسيبني اروح لحالي ..
صدقني ..انا لا هاتجوز ولا هعمل أي حاجة..خلاص انا حياتي انتهت علي كده ..سيبني ..اعيش مع ولادي ..وروح انت اتجوز..وعيش وسط اهلك
بس سيبني ..لحالي وعيالي ..

ثم صرخت :سيبووووووووني بقي ..كفاية عذاااااب بقي كفاية ..

مسح دموعها ..وقال باستسلام:خلاص يا نور ..هتركك ..تروحي لأهلك ..بس اهدي..والله هسويلك اللي تبغيه ..
بس طلاج لا ..روحي وفكري كويس ..فكري قديش أنا بحبك..وبموت عليكي ..بلا ..لا تفكري فيني ..
فكري بعبدالله..وقاسم ..كيف بدك يتفرجوا عني..(ثم أكمل بحزن):فكري بأيامنا الحلوة ..بزواجنا ..بسفرنا ..حاولي تفتكريلي لحظة حلوة
تستاهل انك تضحي عشانها ..وتتحملي معي ..

مسح دموعه..وارتسمت علي وجهه ابتسامة حزين..وقال:وأنا متأكد انك ما راح تتركيني ..وبتعودي ..

مضت ليلتان ..وأتت الثالثة..أحضرت حقائبها ..
ارتدت عباءتها ..أخذت تودع ارجاء الغرفة ..بعينيها ..
مسحت علي سريرها بحنان ..سقطت دمعتها ..عندما تذكرت أولى ايامها ..بتلك الغرفة ..دلالها .داخل تلك الغرفة..
حزنها علي فراق والدتها..ودموع الاشتياق الي أهلها..ضحكتها.. وفرحتها.. بطفليها....

انتبهت علي صوت الخادمة تناديها..(السيارة جهزت)..ألقت النظرة الأخيرة علي غرفتها ..وأغلقت الأنوار.ومضت ..
أتي ياسر .ليوصلها ..أشارت إليه بالتوقف ..وقالت في حزن:لا يا ياسر ..أنا مش عاوزة أنهار أكتر من كده ..عشان أقدر آخد بالي من الولاد..
خليك هنا ..
استجاب لطلبها..وتوقف ..
أخذت ترمق المنزل بعينيها ..هنا كانت ..تلك الاميرة المدللة ....هنا كان يركض إليها ياسر .عند عودته ..هنا كان ملهى طفليها ..
هنا وهنا وهنا..هنا كانت تلك ..الملكة المتوجة..الحرة ..التي أبت أن تكون جارية ..فرحلت ..

ركبت السيارة..واتجهت نحو المطار ..
ركض ياسر إلى غرفتها ..استلقى علي سريرها ..وبكى ..لأول مرة بعمره..يبكي ..ولما لا..فقد رحلت ..أميرته..هرته الصغيرة..
أمه ..أخته..حبيبته ..زوجته..كل شيء ..رحلت ..لتترك له..اللا شيء..

تحسست يداه ورقة ..على سريره ..فتحها ..وشرع في قراءتها ..
"حبيبي ..وزوجي الغالي ..لا اعلم ما هو حالك الآن..وانت تقرأ هذه الرسالة ..أتبكي..فراقي؟..أم تضحك ..لاقتراب زفافك..؟
أيا كان هو حالك..ستبقي بقلبي ..حببيبي ..وزوجي الغالي..يعلم الله ..أنني احببتك بصدق ..وأخلصت لك ..وعشت معك .. اجمل ايام عمري.. لكنها الحياة ..تأبى أن تديم علي السعادة ..وأنا اعلم ذلك جيدا..وطالمت استسلمت لها ..ومازلت...
أتمنى أن تجد السعادة..مع زوجتك..وأهلك..لكني أرجوك..أتوسل إليك ..أن تذكرني بالخير ..وأكون كاذبة إن قلت لك ..انني ساذكرك..
لانك ستبقي داخلي ..ما حييت ..فلن أنساك لاذكرك..
أسألك شيئا..وأرجو ألا تردني خائبة ..فأنت لم تردني خائبة قط..
إلا مرة واحدة ..مرة ..تسببت في ضياعي ..ولكن إن فعلتها ثانية يا حبيبي.. ستؤدي إلى موتي ..
ارجوك..لا تناديها أميرتي..هرتي الصغيرة ..اترك لي ..شيئا واحدا ..أتوسل إليك ..أن تترك لي مايبقيني بهذه الدنيا..تلك الذكريات الجميلة..
التى تحيا بداخلي ..
استمتع بحياتك ..دلل زوجتك ..لا تظلمها ..لا تعلق قلبك بي ...لأن من أحببت قد ماتت ..ولم يتبق سوى جسد..بلا روح ..
أما عني.فيكفيني هديتك العظيمة الي..طفلينا الصغار ..أتعلم عندما ارحل عن هذه الدنيا ..ساطلب من الله ..ان يزوجني إياك بالجنة ..
ولكن أرجو ..ألا تشاركني بك الحور العين ..فتتركني وتمضي ..ثانية .."

بكت الآن ..عندما تذكرت تلك الرسالة..كانت دموعها تبللها..أخذت تتساءل..أين هي؟ ..من أين أتت؟..وإلي أين تتجه ..؟
ما هذه الدنيا ..بالأمس كانت ..تلك الطفلة المشرقة.عائدة من تلك البلدة.تنظر للدنيا بتفاؤل ومرح..والآن هي عائدة..من نفس البلدة..
تحمل أطفالا صغارا..(نظرت إليهم بدهشة)..من أين جاءوا ؟..وكيف مضت تلك الأيام؟..وإلى أين هي ذاهبة بهم؟! ..طفلة ..تحمل أطفالا..
أي دنيا ..هذه؟..وأي رجال هؤلاء؟..هذا الذي تركها من أجل شهوته ..ونسائه!..والآخر الذى تخلي عنها ..لأجل أهله ..وقبيلته ..! وتقاليد هدامة ..خاطئة ..بدعها بالأمس الأجداد..ليهدموا لذة الحياة ..
..بل أي فشل هذا الذي يلاحقها..بالأمس فرقها عن حبيبها ..وأبي الآن إلا..أن يفرقها عن زوجها ..
بل أي امرأة هي ..تلك التي ..لم تكترث لأمر بهذه الدنيا..سوى البحث عن نصفها الاخر ..
أين مستقبلها؟ ..أين هواياتها..طموحاتها ؟..أين هي؟ ..لماذا ضحت بكل ذلك..لأجل أي شيء؟؟!! ..لأجل أن تكون ..زوجة .!!.لكن مهلا ..
فقد فقدت هذا الشئ أيضا ..هي لا شيء ..صوت يصرخ بداخلها..أنت لا شئ ..
أترى حقا أخطأت..عندما ..آمنت يوما..أن المرأة لايمكنها أن تحيا دون نصفها الآخر ؟!..أترى أخطأت ..عندما جعلت غايتها ..
أن تحيا لأجل رجل ..أأخطأت عندما أسست البنيان علي عامود واحد..هو الزوج..وأهملت باقي الأعمدة..فعندما فقد العامود..انهار البنيان ..
أي حمقاء هي..نعم حمقاء..لم تتعلم من التجربة السابقة ..عندما انهار البنيان..فأبت إلا أن تعيد بناءه علي ذلك العامود نفسه ..لما لم تتعلم..
من خطأها..السابق!!
في الماضي ..استعادت قلبها ..ونفسها..وبدأت من جديد..تحملت وزرها وحدها..لكن هذه المرة ..يتحمله معها..طفلان صغيران ..
أصغرهما ..لا يقوى علي الوقوف علي قدميه ..وحده ..كيف ستحيا وحدها معهما..كيف ستنشيء وتربي..لما حملتهما وحملت نفسها ..ما لا تقوى..
بل لما ..عبثت بقفل الصندوق ..ذلك الصندوق..الذي يحمل الشهد والمر معا ..وهي وإن تذوقت الشهد..بتذكرها أجمل أيامها.. فإن المر يظل آخر طعم بالفاه!! ..
اخذت تنهر نفسها ..في شدة ..آآه..ليتها لم تعبث ..ليتها لم تحب ..ليتها لم تتزوج ..وتحمل أطفالها تلك العواقب..بل ليتها لم تولد..وتحيا بهذه الدنيا ..
ليت حبيبها لم يتوجها ملكة..ليته سخرها جارية ..كما فعل حبيبها السابق ..فالجارية ..ملكة ..عندما تنال حريتها..
والملكة..جارية عندما ..تنال حريتها ...

انتبهت علي صوت ..الطيار(علي كل الركاب ..ربط الاحزمة..استعدادا للهبوط..)..
ضمت طفليها بين ذراعيها بقوة ..وأغمضت عيناها..خوفا من الهبوط.. ..


(تمت)




فكرت كثيرا وكثيرا..ولم اجد ..أحق منها ..بهذا الإهداء ..
اعتذارا مني ..عن كل دمعة سقطت من عينيها بسببي..
..
إلى تلك التي حملتها ..أكثر مما تقوى..
إلي تلك التي ..آلمتها كثيرا ..
إلى تلك الطفلة الصغيرة التي تقطن داخلي..
نور ..

الخميس، 1 مارس 2012

وعبثت بقفل الصندوق جزء 6

مضى الاسبوع الاول علي زفافهما ..كان يدللها ..يفعل كل ما بوسعه لإرضائها .
.لكنها كانت تشعر بالغربة ..رغم أنها لم تغادر بلدتها بعد ..
لاتدري لماذا يراودها هذا الشعور ..ألأنها ذهبت مع رجل غريب عنها ..لم تعرفه بعد ..أم لأنها لازال يسكنها بقايا أشلاء عشقها القديم ..
لا ليست الاجابة الثانية ..معاذ الله ..أن تفكر برجل آخر ..وهي بين احضان زوجها !!..

تذكر ذلك اليوم جيدا ..عندما ذهبا الي شاطيء البحر الأحمر ليلا ..كان الشاطيء يخلو من الناس ..
لمحها ..وهي ترمق البحر بعينيها ..كأنها تشتاقه كثيرا ..
دنا منها ..وسألها بدهشة .. ..
- نور في شي ..
استدارت بوجهها تجاهه ..
نظرت في عينيه كثيرا ..ثم اجابته ..
- عارف ..طول عمري بشوف الناس اللي بيحبوا بعض ..وهما بيقعدوا علي رمل البحر ..
ويقعدوا يتكلموا..
(ابتسمت )ثم أكملت ..في حزن ..
- كان نفسي اعرف الناس دي بتقول لبعض إيه؟ ..
(تبسم ضاحكا)ثم قال:وليش نفسك ..أنا باخدك وبخبرك ايش كانوا بيجولوا ..
اصطحبها إلي الرمال ..جلسا معا ..
أسندت برأسها علي ساعده ..
كانت تنظر إلي عينيه ..وتختلس النظرات الي البحر ..
أخذ يضمها بين ذراعيه ..لكنها لأول مرة تلمح بعينيه ..نظرات حزينة ..لم تعهدها من قبل ..
أطال النظر بعينيها ..ثم سألها بنبرة حزينة ..
- نور انتي من جد بتحبيني ..؟
تفاجئت بالسؤال ..ثم أجابته في دهشة ..
- ليه بتسأل السؤال ده ..؟
اجابها في حزن:لأني دايما بحس إن عيونك شاردة ..مامعي أبدا ..دايما بحسك ..بتبعدي عني ..
حتي واحنا مع بعض ..بحس إنك بعيدة..بعيدة مرة يا نور ..كأنك بتخافي تقربيلي ..كأنك بتخافي تحبيني ..ليه ما بعرف ..

توقف عن الكلام للحظات ..ابتعدت عن حضنه قليلا ..استدارت تجاه البحر ..وأجابته في حزن ..
- بخاف ..بخاف كل اللي انا فيه ده يروح ..خايفة انك تسيبني ..في يوم من الأيام ..هي الحياة كده ..مش بتدوم لحد ..

أمسك برأسها بين كفيه ..نظر في عينيها بغضب ثم قال:وليش تخافي! ..ليه كل حاجة بحياتك تخشيها ..؟!
انا ما راح اترك روحي ..وانتي روحي يا نور ..
كفكف دموعها ..ثم احتضنها بشدة ..وضمته بين ذراعيها بشدة ..كطفلة تخشي أن يتركها ..
مصدر أمنها وسعادتها ..

مضي يومان آخران ..ثم استعدا للرحيل  ..
ذهبا إلي المطار..اوقفته عندما لم يتجه الى صالة المغادرين إلي بلاده..
- انت رايح فين ..ده للمغادرين لاوروبا ..!
تبسم ضاحكا .ثم قال لها:يا بنت مش انا وعدتك ..اني بفطرك بباريس ..الساعة داحين 11 مساء ..باظن بنلحق الفطور ..
دنت منه برفق..وهمست له ..
- لو ينفع احضنك قدام الناس .كنت حضنتك ..بحبك أوي ..


صعدا إلي الطائرة ..ربطا الأحزمة ..ثم قبض بكفه علي كفها ..كان يبث الأمان داخلها ..
دمعت عيناها الآن ..وضمت أصابعها الي كفها في حسرة ..عندما تذكرت تلك اللحظة ..

وصلا إلي باريس ..تلك العاصمة ..التي طالما رأتها بأحلام اليقظة ..لم يخطر ببالها ..أنها ستزورها يوما ..
اسبتدلا ملابسهما داخل الفندق ..ثم غادرا لتناول الفطور ..ثم ذهبا إلي برج إيفل ..
تتذكر عندما أصابها الذعر عندما اصطحبها الي برج إيفل..
- لا انا مش هطلع..
- ليه يا بنتي ..ايش اللي بيه يعني ..!!
- لا ..اخاف مليش دعوة ..
- ها .ايش جُلنا عالخوف هادا ..
- لا ..كله الا ده ..انت مش شايف طول ايه ..؟
تبسم ضاحكا ..ثم اجتذبها في شدة وقال:يلا يا نور ..راح تطلعي يعني راح تطلعي ..
تذكر جيدا عندما دنا منها ..داخل المصعد ..وهمس لها ..:اغمضي عيونك ولا تفتحيهم غير لما اخبرك ..
- (باستنكار):ياسلام كمان همشي وأنا مغمضة عيوني ..
- (باصرار):قلت غمضي عيونك يعني غمضي عيونك ..انا زوجك واسمعي الكلام ..
أغمضت عينيها ..ثم اصطحبها الى شرفة البرج ..
احتضنها من الخلف بشدة ..ثم همس لها ..
- فتحي عيونك ..
نظرت .فوجدت نفسها ..أعلي هذا البرج الشاهق ..ترى الناس صغارا صغارا...جدا .. تملكها الخوف ..وسيطرت عليها الرهبة ..
- لا تخافي ..لاتخافي ..أنا ماسكك ..وانتي بحضني ..وما راح اتركك ابدا..افهمي هالشي منيح ..مو هون بس ..بعمري كله ..
ما باقدر اعيش دونك ..

نبض قلبها بشدة الآن ..عندما تذكرت تلك اللحظات ..آه ثم آه ..علي بداية الحب ..آه وآه.. لو كان الحب كله فقط ..بدايات ..

عادا الي الفندق ..بعد يوم مليئ بالفرحة والابتسامات ..ارتدت أكثر الاثواب فتنة ..وجمالا ..
دنت منه برفق ..وهمست له ..باحتياج ..:هو انت هتنام ..؟
اخذ يرمقها بعينيه ..ثم هز برأسه نافيا ..اقتربت منه ..نظرت بعينيه ..وقالت له في خجل ..:ينفع اطلب منك طلب ..
- اكيد حبيبتي ..
- (باستحياء):ينفع كل يوم انام في حضنك ..ينفع ..
اجتذبها نحوه ..وضمها بين ذراعيه ..وغفت ..
لا تذكر إلا أياماً معدودة ..تلك التي لم تغف بها ..بين أحضانه ..

غادرا الي بلاده..
وصلا إلي المنزل..
دق ياسر الباب الرئيسي..قامت الخادمة بفتح الباب ..سمراء اللون ..تبدو حبشية الأصل ..
دخلا المنزل ..كان مكونا من عدة ..طوابق ..بأدراج داخلية ..أخذت ترمقه بعينيها ..كان فارها بحق ..
وجدت نساء كثيرات في استقبالهما ...لا تعرف واحدة منهن..سوى والدته ..وجدت البعض مرحبا ..والبعض متوجسا منها خيفة ..والبعض الآخر مفتعلا
الحب ..لكن العين لا توحي بذلك ..
أتين وقبلنها ..
صعدت هي وزوجها إلي الجناح المخصص لهما ..بالطابق الثالث ..
خطت بقدمها اليمنى داخل ..عشها الزوجي ..
- (بانبهار):ايه ده ..ده زي الكتالوج بالظبط ..
-إي حبيبتي ..مش انتي اللي اخترتيها ..سويتلك اللي بدك اياه ..
أخذت تساعده في استبدال ملابسه ..ووضعت عنها عباءتها ..
- علي فكرة مرات اخوك السورية دي مش طايقاني ..
- الله احنا هنبتدي شغل المصاروة ..
- (بغضب):ياسلام ومالهم بقي المصريين ..
تبسم ضاحكا ثم قال:ع راسي المصاروة ..ياعمري ..
- (محاولة افتعال الضيق):آه ما هو واضح ..
اقترب منها ..وضمها بين ذراعيه .وقال لها بحنان:باموت فيكي يا عمري ..
- (بحزن):انا خايفة يا ياسر ..حاسة اني هبقي هنا لوحدي ..
- علي اساس اني مت ..
- بعد الشر عنك..بس انا معرفش حد هنا ..
- لا تجلجي يا نور ..شوي وبتتعودي..وبيصير ليكي رفقات بالبيت ..لاتخافي ..
يلا سكري النور ..أبغي انام..تعبان مرة ..
أغلقت الأنوار ..أخذت تتقلب يمينا ويسارا..كأن النوم قد فر منها ..أخذت تفكر وتفكر ..أي حياة هذه التي سوف تحياها ..
قطع تفكيرها صوت ياسر:تعالي يا حبيبتي .بحضني ..ونامي ..نااااااامي شوي ..وبطلي جلج بجي ..

حل الظلام ..وبدأت الليلة الاولي لها ..بهذا المنزل ..استيقظت علي ضجيج ياسر ..أثناء ارتداء ملابسه ..
لاول مرة تراه بالجلباب السعودي ..
أخذت ترمقه بعينيها ..
- (بصوت يغلبه النعاس):انت رايح فين ..
- خارج شوي..عندي مشوار مع ابوي ..
انتفضت في ذعر:ايه! ..انت هتخرج وتسبني هنا ..؟!
- ايش هو اللي سايبني هون..هو انا تاركك ببيت الاشباح ..اكبري شوي يا نور ..
مضى إلى خارج الغرفة ..ثم عاد ثانيةً..
- نور .امسكي الهاتف هادا ..حجك ..بيدج علي دولي..لو بدك تحكي حدا ...

اخذت تتأمل أرجاء الغرفة ..أين هي ؟ ..تشعر بالوحدة ..لا تعرف أحدا هنا ..أين امها ..واخواتها ..ورفيقاتها ..؟
اخذت تفكر وتفكر ..إلي أن قطع تأملها ..صوت ..دقات على باب الغرفة ..ذهبت بخطوات ..بطيئة ..خائفة ..مترقبة ..
وجدت الخادمة ..
الخادمة:ماما بتجولك هي منتظراكي ..تحت ..لو تبغي تجلسي معهن ..
نور: ماما مين ..
وجدت امرأة ..قادمة خلف الخادمة..
المرأة:ازيك يا جميل ..معلش مشوفتكيش ..كنت خارجة ..
نور :ايه ده انتي مصرية ..؟
المرأة:أيوة ..أنا مرات فهد..أخو ياسر الكبير ..
تبسمت ..شعرت كأنها وجدت ..ما يسكن القلق بداخلها قليلا ..
المرأة :انا اسمي عزة ..يانور ..
نور :انتي تعرفي اسمي ..؟
عزة:أكيد ..ياسر كان بيدوش دماغ والدته بيكي ..وهي كانت بتحكيلنا ..
(تبسمت في خجل)..
عزة:صحيح.. كلهم مستنينك تحت ..
نور :ماشي هلبس العباية والطرحة ..وهنزل ..
عزة:لالا ..انتي تلبسي ..حاجة كده ..من اللي عندك ..والعباية فوقها كده ..وبننزل تحت نقلعها ..
نور (بدهشة):ماشي ..
عزة:تعالي انقيلك حاجة ..وريني لبسك كده ..؟
لاحظت الجرأة بهذة المرأة ..لكنها لم تكترث ..ففرحتها بوجود مصرية ..مماثلة لها ..جعتلها لا تكترث بشيء ..
جلست إلي والدة ياسر ..وأخواته البنات ..وزوجات اخوته ..
وجدتهن بجنسيات مختلفة ..أكثرهن طيبة سعوديات الجنسية ..وأكثرهن جمالا ..زوجة أخيه السورية ..لكنها لم تطمئن لها ..بينما كانت أكثرهن ودا .. المصرية ..

صعدت إلي غرفتها ..عند قدوم ياسر ..
افتعلت الحزن ..ومضت الي سريرها ..لتغفو..
اقترب منها ..وقبلها بجبينها ..
- خلاص يا نور ..ايش اللي جرى لما تركتك يعني ..! ..لازم تتعودي ..وتعرفي طباعهم ..وتتأقلمي معهم ..
ثم همس لها بحنان:اشتجتلك ..
- (بدلال..):آه ..ما هو واضح..عشان كده خرجت .
- (بغضب):يووووه يانور ..اكبري شوي بقي ..ايه دخل الخروج بحبي ليكي ..
انا هبتدي الشغل ..مش هجلس جنبك يعني ..
استدار بوجهه ليغفو ..
شعرت بالحرج ..لأنها اغضبته ..اقتربت منه ..برفق ..وهمست له..:عملت ايه في الشغل ..؟
- بتفهمي فيه يعني..عشان اخبرك ايش سويت ..
- (بغضب):لية جاهلة يعني ..
اجابها ممازحا ..:معاذ الله ..
- شكرا يا استاذ ياسر ..
تبسم ضاحكا ..ضمها بين ذراعيه ..ثم همس لها:انتي ايش سويتي اليوم ..بدوني ..
- وحشتني اوي ..
- وايه كمان ..
- مفيش ..نزلت تحت ..وقعدت معاهم ..آه واتعرفت علي عزة صحيح ..طيبة اوي..
- لا يانور ..مانصحك..تاخديها رفيجة إلك ..فهماني ..
- ليه يعني ..ولا هي عشان مصرية ..
- (بغضب):نور خبرتك ..لا تاخديهارفيجة ..فهمتيني ..مسوية مشاكل بالبيت كتير ..
- خلاص خلاص ..احنا هنتخانق عشانها ..
- ولا نتخانق ولا شي ..بس عشان مصلحتك ..
- ماشي يا حبيبي..اللي تؤمر بيه ..


مضت الايام تلو الايام .
.تبسمت الآن عندما نظرت الي عبدالله ..طفلها الأكبر ..
تذكرت ..يوم أخبرت والده بحملها ..
تذكر شجارها معه قبل معرفة نوع الجنين بيوم واحد..عندما أخبرتها عزة أن ياسر ..سيتزوج عليها ان لم تنجب له ذكرا ..
تذكر عندما دخل الغرفة ..ووجدها تبكي ..وحاولت كفكفة دموعها سريعا ..عندما أتي ..
- مالك يا حبيبتي ..بتبكي ليش ..؟!
- (بصوت خافت):مفيش ..
- لا في ..ايه هتخبي علي حبيبك ..!
- (بصوت ..يتخلله صوت نحيبها):انت ممكن تجوز عليا ..لو مجبتش ولد ..صح ..؟
تبسم ضاحكا ثم اجابها:بتبكي علي هيك...والله انتي طفلة ..يا مجنونة ..بتظني اني اتزوج عليكي لو ما جبتي ولد .. هادا بامر ربنا سبحانه وتعالي ..
- ايوه بس هنا عندكم كده ..وأخوك بندر اتجوز علي مراته لما جابتهم بنات ..
صح ولا أنا غلطانة؟ ..وانت هتعمل كده.. انا عارفة ..
- وانتي ايش اللي خلا هالفكرة ..تسيطر عليكي ..مرة واحدة هيك ..
- مفيش ..عزة هي اللي نبهت..
(ثم توقفت عن التحدث..عندما ادركت أنها نسيت..وذكرت عزة أمامه ..)
- (بغضب):برضه عزة! ..برضه بتجلسي معها! ..وبرضه بتسمعي كلامها !..وبرضه بتحشر بدماغك الأفكار السودة!

اجتذب يدها بشدة ..ونظر بعينيها بحدة ..ثم قال:نور اسمعيني.. انا ماراح خلي حدا يدخل بحياتنا فهمتي علي؟.. ولا راح اسمحلك ..انك تدخليها بحياتنا ..فهمتي علي؟ ..
ثم تركها ومضي إلى خارج الغرفة ..
وقضت اولى لياليها دونه..
.دقت هاتفه صباحا ..
- (بدلال):شكرا اوي انك سايبني وانا حامل وتعبانة ..ونايم بعيد عني ..
- نور ايش تبغي ..
- مش هتيجي معايا للدكتور ..
- لا..ابقي خلي عزة تروح معاكي..
- (محاولة استثارة غضبه):دي تتمني ..اطلب منها طلب ..
- نور ..لاتعصبيني عليكي ..
- (بدلال):خلاص تعالى يلا خدني للدكتور..

أتي ليصطحبها الي الطبيب..ركبت السيارة..لم يحدثها طوال الطريق..أخذت تختلس النظرات إليه
- إنت مش هتنطق حاجة ..
- لا ..
أمسكت بيده في دلال..
- وحشتني ..
- اتركيني لو سمحتي ..
- في ايه يا ياسر لكل ده؟! ..
- والله! ..ما بتعرفي ايش فيه! ..انا عمري ما بامرك بشي..واما اَمرك..ما تنفذي! .. وانا بسويلك كل شي تبغيه ..
- كل ده عشان كلمت عزة!..خلاص حقك عليا ..متبقاش كشري كده ..
وأكملت حديثها بدلال..:وبعدين كده اتصل بيك امبارح مليون مرة متردش..! مكونتش فاكراك قاسي كده ؟؟!
- يلا يا نور ..لاتدللي...فوتي يلا ع الطبيبة ..انا ناطرك ...
توقفت السيارة..وذهبت إلى الطبيبة ..أخبرتها الطبيبة..أن الجنين ذكر ..شعرت كأن الدنيا لا تتسع لفرحتها ..
ذهبت إلي السيارة .وجدته يحاول ان يخفي ..لهفته ..وترقبه ..إلي ما ستخبره به ..
أطالت النظر إلي عينيه ..ثم همست له .(بفرح).:ولد ..هجيب ولد ..
ارتسمت علي وجهه ابتسامة مملوءة بالسعادة والفرحة ..

تذكر عندما عادا الي المنزل ..وضمها بين ذراعيه ..تذكر عندما قبلته ..وهمست له:فرحان يا ياسر ..
- اكيد يا حبيبتي ..فرحان عشان هيجيلي ولد منك..بس مو معناه اني كنت هتركك لو كانت بنت ..خليكي واثقة فيني شوي ..
همست له:بحبك اوي ..

مضت عدة أيام ..اضطر ياسر الي السفر لدبي ..لإنهاء بعض اعماله ..
تذكر شجارها معه ..قبل سفره ..
- انت هتسافر وتسبني ..وانا كده ..؟!
- يانور عادي يعني ..وبعدين لازم اروح أخلص اللي ورايا هناك ..
- خلاص ما تاخدني معاك يعني ..
- مينفعش ..قلتلك ..أنا رايح أنا والشباب بس ..انتي مينفعش تيجي معنا ..
- (بغضب):يوووه بقي ..انت كل حاجة لأ ..
استدارت ..ومضت لتغفو ..
اقترب منها ..مسح علي شعرها برفق ..وهمس لها: بعوضهالك ..لاتجلجي ..بس ارجع ..ونسافر ..أي مكان تبغيه ..
تقلبت علي جانبها الايسر ..وقالت له بدلال ..:مش عاوزة منك حاجة ..
- بس انا عاوز ..
- عايز ايه ..يلا يا حبيبي مع السلامة ..عشان تبقي تسافر كويس ..وتسيبني ..
اقترب منها ..وهمس لها :خلي عزة تملى دماغك كمان وكمان ..
واستدار ..وغفا ..

عاد ياسر بعد اسبوع ..تذكر عندما أخذت تبدل باثوابها..الواحد تلو الاخر ..تذكر عندما دخل الغرفة ..ووجدها ..
تتذمر وتنظر الي المراة بغضب ..
احتضنها من الخلف ..
- ايش القمر هادا ..
- (بحزن):قمر ايه! ..بص بطني كبرت ازاي ..
- (ضاحكا):يانور ما انتي حامل ..مش هتكبر يعني ..!!
- طبعا بصيت لستين واحدة هناك ..
تبسم ضاحكا ثم قال :ياحبيبتي والله ..ما كان معايا وقت ..ابص ورايا ..
وبعدين الدجيجتين اللي كنت بفضى فيهم ..كنت بكلمك فيهم .. وارد علي رسايلك ..
- (بدلال):يعني مبصتش لحد خالص خالص ..
- والله يا نور ما بشوف حد غيرك ..حد يبقي القمر معاه ويبص لحد تاني
- آه ..القمر وبطنها قدامها ..
همس لها بحنان:البطن دي جواها ..أحلي ابن بالدنيا ..
- (بحزن):انت بجد يا ياسر مش بتشوف حد غيري ..؟
- والله يا نور ما بشوف حدا غيرك..صدجيني لو جلتلك ..بحس ان في حاجة ناجصة فيهم .. ولا تساليني ايش هي ..لاني ما بعرف ..بحس الحاجة دي بظن ..هي انهم مش نور ..
ضمته بين ذراعيها ..
- ها حضرتي الشنط..؟
- (بدهشة):شنط ايه..؟
- ما جلتلك قبل ما اسافر ..راح اعوضهالك؟ ..يلا راح نروح أبها ..
أحضرت حقائبها ..ووضعت ما تحتاجه من ملابس ..ارتدت عباءتها ..
أمسك يدها بحنان ..وضع يده الأخري داخل جيبه ..واخرج خاتما مرصع بالماس..ألبسها اياه ..
- (بانبهار): ايه ده يا ياسر ..؟
نظر بعينيها ..وأجابها بحنان ..:هدية صغيرة ..إلك ...
- بس ده شكله غالي اوي ..
- ما في شي بيغلى عليكي ..
ضمته بين ذراعيها بشدة ..وهمست له ..:أنا بحبك أوي...ربنا يقدرني ..واقدر اسعدك يا حبيبي ..
تبسم..ثم قال لها:طيب يلا يا حبيبتي ..عشان ننزل ..أنا جهزت السيارة..
اقتربت منه ..وهمست له ..
- (بدلال):هو انت عاوز تسافر دلوقتي ..لازم يعني ..
هز براسه نافيا ..

ثم سكتت شهر زاد عن الكلام المباح ..

ومضت الايام..

.تذكر اعتناءه بها ..
وحنانه عليها ..وتحمله غضبها كثيرا وكثيرا ..في تلك الفترة ..الأكثر ألما وصعوبة على المرأة ..
تذكر دلاله لها ..والركض الي غرفتها فور وصوله إلى المنزل ..تذكر عندما كان لا يناديها الا أميرتي ..أو هرتي ..مما كان يثير  غضب وغيرة ..زوجة أخيه السورية ..ليست السورية فقط بل باقي نساء المنزل..كانوا يغبطونها ..علي حبه لها ..
علي دلاله لها ..لم تكن واحدة منهن ..تعامل ..مثل ما كان يعاملها ياسر ..

تذكر عندما افاقت من الوضع ..فوجدت ياسر بجانبها ..يقبلها علي جبينها بحنان ..
تذكر مشاجرتهما علي اسم الطفل ..
وصدمتها عندما اخبرها ..برغبته في اطلاق عليه عبدالله ..ليطابق جده بالاسم ..
تذكر عندما اعترضت بشدة ..ولم تخبره أن هذا الاسم ..يمثل لها ذكري أمنية تمنتها يوما ..وبغضتها كل يوم ..
تذكر عندما استجابت لتوسلاته لها ..لأن يطلقا عليه هذا الاسم
تذكر عندما عادت الي مصر ..لترى والدتها ..كانت أولى زياراتها لمصر ..
تذكر فرحة العائلة بطفلها الصغير ..ودهشتهم منها ..فقد اصبحت تطابق نساء تلك البلدة بعاداتهن ّ..وتقاليدهن ..وزيهن ..
حتي أنها صار لديها خادمة خاصة بها ..وبأولادها
تذكر عندما قصت عليها صديقتها ..اخبار حبيبها السابق ..وقصة زواجه بامرأة سيئة الخلق والسمعة ..وتألمت كثيرا ..عندما علمت بحاله ..وندمت.. وندمت لأنها يوما ما..أرادت أن تكون ..زوجة لرجل مثل هذا ..حقا "من شب على شيء شاب عليه "...و"رفقائك الذين اخترتهم لتلهو معهم..هم ايضا رفقاء
جدك ..وحياتك .."

عادت إلي المملكة مرة أخرى ..ومضى عام علي إنجابها الطفل الأول ..ألح ياسر عليها ..أن تنجب له طفلا اخر ..
كانت ترفض بشدة ..لأنها يتبقي لها عام دراسي كامل ..وسترهق كثيرا ..لكنها استجابت له ..بعد ان عاهدها بأن يعاونها علي استذكار دروسها ..
لم يمض العام الثالث ..الا وقد وضعت طفلها الثاني ..واطلقت عليه القاسم ..اسوة برسول الله (عليه افضل الصلاة والسلام) في اسم ابنه..
تذكر عندما فاجأها ..عندما احضر لها والدتها ..بعد وضعها طفلها الثاني ..
تذكر كيف كان يعامل أهلها ..كيف اطمأنت والدتها ..إليه ..عندما رأت معاملته الطيبة لها ..ودلاله وحنانه عليها .. وكيف كان يتوجها ملكة ..لا يناديها الا اميرتي ..فاستكان قلب ..والدتها وهدأ....

مضي العام الرابع ..كانت قد تعلقت بياسر تعلقا شديدا ..وإن لم تكن أحبته لذاته ..بالماضي ..فقد عشقته اليوم ..وولهت به هي الاخرى ..
كان يومها مقسما بينه ..وبين أبنائها ..كان اباً حنونا علي أبنائه..لكن ليس بمقدار الحنان الذي يعطيه لها ..
وإن كان أنجب طفلين..فهو يشعر بأن لديه ابنة ثالثة ..يدللها ..وتغفو بين أحضانه كل يوم ..
كان لها ..الأب الحنون..والأخ الغيور..والزوج العاشق ..كان وكان وكان..كان رجلا بحق ..

إلي أن أتت الرياح ..بما لاتشتهي السفن...